Jumat, 15 Juni 2012

تغير المعنى


الباب الثاني
البحث

1.1.     مفهوم تغير المعنى
      تغير موقفنا من الشيء: إذا كان المعنى هو ما نملكه من أفكار وتصورات عن المشار إليه.
   التغييرات تحدث في اللغة دائما لأنها نظام للتواصل بين الناس مرتبطة بأحوالهم وظروفهم الاجتماعية والثقافية والعقلية، وهذه الأحوال والظروف لا تسير على وتيرة واحدة. ومتى توفرت الأسباب حدث التغيير حسب طرق وأصناف معينة.
     وسنقرض أنفسنا من بين مشكلات تغير المعنى على مشكلتين اثنين هما:
1- أسباب تغير المعنى
2- أشكال تغير المعنى
      2.1. أشكال تغير المعنى
تحديد طرق تغير المعنى يُعد ثمرةً لجهود اللغويين المحدثين, حيث أفادت دراستهم عن التطور الدلالى حصر مظااهر رئسية لهذا التطور, و هى:
1-  توسيع المعنى (التعميم) Widening
2-  تضييق المعنى (التخصيص) Narrowing
3-  انتقال المعنى.
4-  مظااهر أخرى.
1.   توسيع المعنى:
يقصد به التعميم معنى الكلمة, وذلك بنقله من معنى خاص ضيق إلى معنى معنى عام أوسع وأشمال, ويحدث هذا بإسقاط بعض الملامح الدلالية للكلمة, فكلمة "أب" حين تطلق على كل رجل, يسقط عنها ملمح القرابة, ويبقى ملمحا الذكورة والبلوغ, وتعميم الدلالات أقل شيوعا فى اللغات من تخصيصها, واقل أثرا فى تطور الدلالات وتغيرها[1], ويذكر فندريس أن التعميم ينحصر فى إطلاق اسم نوع خاص من أنواع الجنس على الحنس كله, ويمثل فندريس لهذا المظهر بحال الأطفال الذين يسمون جميع الأنهار باسم النهر لاذى يروى البلدة التى يعيشون فيها, مثل الطفل البارسي عندما يصيح وقد راى نهرا : "أرى سينا"[2], ويمثل له Ulmann بالكلمة الإنجليزية Arrive  فإنها انحدرت عن الأصل اللاتينAdripare  بمعنى يصل إلى الشاطئ, وهذه الأخيرة ترجع بدورها غلى Ripa  أى: شاطئ, فهذه الكلمة كانت فى الأصل مصطلحا بحريًّا لا يجوز استعماله إلا فى معنى الوصول إلى الميناء, أما الآن فقد اتسع نطاق استعمالها حتى أصبحت تشمل عددا ضخما من أنواع الوصول, سواء أكان ذلك على القدم أم بأى وسيلة[3].
وفى اللغة العربية نلحظ ما يشبه تعميم الدلالات لدى تلأطفال حين يطلقون اسم الشئ على كل ما يشبهه, لأدنى ملابسة أو مماثلة, وذلك لقصور محصولهم اللغوى, وقد يطلق الطفل لفظ "الأب" على كل رجل يشبه اباه في هيئته, وقد يطلق لفظ "الأم" على كل امرأة تشبه أمه في هيئتها[4].
وقد عقد السيوطى مبحثا فى كتابه "المزهر" يما وضع فى الأصل خاصا ثم استعمل عامًّا[5].
وارى أن توسيع المعنى وإن كان يمثل مظهرا من مظاهر التطور الدلالى وسبيلاللتوسيع اللغوى من ناحية, فإنه-من ناحية أخرى-يمثل أحيانا شاهدا على العجز اللغوى (خاص لدى عامة الناس), والمشاهد لواقع اللغة عند العامة يجد الفاظا  تستخدمها العامة بتعميم لا ضابط له ولا حدّ, من بين هذه الالفاظ على سبيل المثال. لفظة "بتاع"[6], "الحاجة" حيث خرجت من معنى الاحتياج غلى معنى الأشياء التى نحتاجها, أى شيء.
وهكذا "الناس فى حياتهم العادية يكتفون بأقل قدر ممكن من الدلالات وتحديدها وهم لذلك قد ينتقلون باللالة الخاص إلى الدلالة العامة, إيثارا للتيسير على انفسهم, والتماسا لأيسر فى خطابهم".[7]
         2. تضييق المعنى "التخصيص":
ويقصد به تخصيص مجال دلالة الكلمة, ويحدث هذا بإضافة بعض الملامح الدلالية المميزة للكلمة, وهذا المظهر كثير الشيوع فى اللغات, ويمثل له أولمان Ulmann  بالكلمة الإنجليزية Poison  ومعنها: "السم" وهى الكلمة نفسها Pation "الجرعة من أى ساإل", ولكن الذى حدث هو أن الجرعات السامةدون غيرها هى التى استرعت الانتباه واستأثرت به, لسبب او الآخر, وبهذا تحديد المدلول وأصبح مقصورا على اشياء تقل فى عددها عاما كانت عليه الكلمة فى الصل إلى حدّ ملحوظ[8], ومن أمثلة هذا المظهر فى اللغة العربية الكثير، فقد تخصصت كلمة (الطهارة) وأصبحت تعنى الختان، وتخصصت كلمة (الحريم) فبعد أن كانت تطلق على كل محرم لا يمس أصبحت الآن تطلق على) النساء..(إلخ[9].
ويلعب تخصيص المعنى دورًا كبيرًا فى مجال المصطلحات الفنية والعلمية، فكثير من العلوم تسـتدعى الكلمـات وتجرِّدهـا من معناها اللغوى، وتقصرهـا على معناها الاصطلاحى، حتى إن الكلمة الواحدة يصبح لها أكثر من معنى اصطلاحى، مثل: المضارع، يقصد به فى النحو: الفعل الدال على حدوث شىء فى زمن التكلُّم أو بعده، ويراد به فى العروض: بحر من بحور الشعر. كذلك كلمة )جذر (لها معنى اصطلاحى فى علم اللغة يختلف عنه فى علم الرياضيات، أيضًا ما حدث لكثير من الألفاظ الدينية مثل: الصلاة، الزكاة، الحج، الصوم، ..إلخ. حيث تحولت دلالتها من المعنى اللغوى العام إلى المعنى الاصطلاحى الخاص، وقد عقد السيوطى مبحثًا فى كتابه: "المزهر"، عنوانه: "فيما وضع عامًّا واستعمل خاصًّا[10].
3. انتقـال المعـنى:
        ويقصد به الانتقال بالكلمة من معناها الأصلى إلى معنى آخر بينه وبين المعنى الأصلى علاقة، فإن كانت هذه العلاقة علاقة مشابهة بين المعنيين فهى "الاستعارة"، وإن كانت هذه العلاقة غير المشابهة بين المعنيين فهى المجاز المرسل.
        والفرق بين هذا المظهر "انتقال المعنى" والمظهرين السابقين "تخصيص المعنى، وتعميم المعنى" يوضحه فندريس بقوله:
"
وهناك انتقال عندما يتعادل المعنيان، أو إذا كانا لا يختلفان من جهة العموم والخصوص، كما فى حالة انتقال الكلمة من المحلِّ إلى الحالِّ، أو من السبب إلى المسبَّب، أو من العلامة الدالة إلى الشىء المدلول عليه..إلخ، ولسنا فى حاجة إلى القول بأن الاتساع والتضييق ينشئان من الانتقال فى أغلب الأحيان، وأن انتقال المعنى يتضمن طرائق شتى، يطلق عليها النحاة أسماء اصطلاحية: الاستعارة، المجاز المرسل بوجـه عام.[11]
وهناك فرقٌ آخر بين انتقال المعنى وتوسيع المعنى وتضييقه يحدده فندريس بقوله:
"
التوسيع والتضييق يتم بصورة غير شعورية، أما انتقال المعنى فيتم بصورة قصدية، لمقصد أدبى فى الأعم الأغلب.[12]
        واستعمال الكلمة بالمعنى الجديد على سبيل المجاز لا يلبث مع كثرة الاستعمال أن ينتشر بين الناس، وتتحول الدلالة المجازية إلى حقيقة، وقد أثبت اللغويون ملاحظاتهم بأن تغير الدلالات يكون فى الانتقال من الدلالات الحسية إلى الدلالات المعنوية (المجازية)، والمسافة بين المعنى الحقيقى (الحسى) والمعنى المجازى (المعنوى)تمثل رحلة تغير الكلمة من الحقيقة إلى المجاز.
وقد ميَّز اللغويون بين نوعين من انتقال المعنى، وقام هذا التمييز على أساس نوع العلاقة بين المعنيين، وهمـا:
أ- انتقال المعنى لعلاقة المشابهة بين المدلولين.
ب- انتقال المعنى لعلاقة غير المشابهة بين المدلولين.
أ- انتقال المعنى لعلاقة المشابهة بين المدلولين، أى بسبب الاستعارة:
        وقد وضَّح Ullmann  هذا النوع بقوله:
إننا حين نتحدث عن عين الإبرة نكون قد استعملنا اللفظ الدال على عين الإنسان استعمالاً مجازيًّا، أما الذى سوَّغ لنا ذلك فهو شدة التشابه بين هذا العضو والثقب الذى ينفذ الخيط من خلاله.[13]
ويبين Ullmann أن هناك نوعًا آخر من الاستعارة يعتمد على التشابه فى الشعور، فيقول:
وهناك نوع آخر من الاستعارة يعتمد على التشابه فى الشعور نحو جانبى الاستعارة، وفى نوع الإحساس بها، أكثر من اعتماده على التشابه فى الخصائص الجوهرية.[14]
وذلك كما فى قولنا: تحية عطرة، كلام بارد، حوار ساخن ...إلخ، فهنا يوجد الإحساس بأن هناك تشابهًا بين التحية الطيبة وبين العطر، وبين الكلام الهادئ غير المؤثر والبرد، وبين الحوار المملوء بالانفعال والحيوية والسخونة.
ب- انتقال المعنى لعلاقة غير المشابهة بين المدلولين، وهو المجاز المرسل:
        والمجاز المرسل طريق من طرق التطور الدلالى، ويوضحهUllmann بقوله:
("كلمة: Bureau مكتب) قد يكون معناها اليوم: المكتب الذى يجلس إليه الإنسان ويكتب عليه، المصلحة الحكومية، أو المكان الذى تدار منه الأعمال، ومن الواضح أنه ليست هناك مشابهة بين المدلولين، ولكن بينهما ارتباطًا من نوع آخر، فالمكتب الذى نكتب عليه يوضع فى الأماكن التى تدار منها الأعمال، وعلى هذا فالفكرتان مرتبطتان بعضهما ببعض، فى ذهن المتكلم، أو قل: إنهما ينتميان إلى مجال عقلى واحد. هذا هو التفسير النفسى لذلك النوع من المجاز المعروف بالمجاز المرسل[15].
       
وللمجاز المرسل صور متعددة، وذلك بسبب تعدد علاقاته، فإطلاق الكلمة على الجملة، من قبيل إطلاق الجزء على الكل، فالعلاقة هنا جزئية، وذلك فى مثل: ألقى الرجل كلمة فى الحفل.
        وإطلاق اللسان على اللغة من قبيل إطلاق الأداة على الشىء، فالعلاقة هنا آلية، وإطلاق محل حدوث الشىء على الشىء نفسه، فالعلاقة هنا هى المحلية، فى مثل: تفوه الرجل بكلام طيب.
        فالفم محل للكلام، وعلاقة السببية واضحة فى مثل الألفاظ: نبَّه، أيقظ، شوَّق حيث إن القول هنا سبب لحدوث فعل التنبيه واليقظة والشوق.
        واعتبار العلاقة الزمانية يتضح فى مثل: يصبَّح عليه، يمسِّى، المسحراتى، فدلالة الكلام هنا ارتبطت بزمن محدد، وهو على الترتيب: الصباح، المساء، السحر.
        واعتبار ما سيكون يلمح عندما نخاطب بعض التلاميذ النبهاء فى فن خاص بـ"يا شاعر"..
          4. مظاهـر أخـرى:
          هناك مظاهر أخرى لتغير المعنى، منها:
أ- المبالغـة:
        اعتبرها Ullmann  "مسئولة عن الشعارات المذهبية والاصطلاحات الخادعة التى تستغلها أجهزة الدعاية أسوأ استغلال، حتى إنها لا تلبث أن تؤدى إلى عكس المقصود منها[16]، وذلك كما فى نحو:
"
سعيد بشكل مخيف"، "ورائع بكل بساطة"، وقد عدها  Ullmannمن المجاز بيد أنها من وجهة النظر العربية أوسع من دائرة المجاز[17].
ب- رقى الدلالة أو انحطاطهـا:
        شرف الكلمة وقيمتها بين الجماعة اللغوية مستمد من قيمة معناها، فكلمة "لواء" مثلاً، لا تكمن قيمتها فى اللام والواو والألف والهمزة، فما هذه الحروف إلا رموز معبرة عن معنى اصطلح الناس عليه، وقيمة معناها تتجلى فى قيمة السلطة المخوَّلة لهذه الرتبة وفى قيمة المسئولية المنوطة بها، والفرق بين هذه الكلمة وكلمة نقيبليس هو الفرق بين حروف الكلمتين، وإنما هو الفرق بين المعنى المشار إليه بكلمة "لواء" ومعنى كلمة "نقيب" المتمثل فى قيمة السلطة وقدر المسئولية المنوطتين بها.
        ومع تطور الحياة وتغيرها تتغير دلالة بعض الكلمات، وقد يكون نصيب الكلمة من التغير أن تستعمل بمعنى قيمته أقل من قيمة معناها الأقدم، " إنه تحول من الأفضل إلى الأدنى، ويطلق عليه انحدار المعنى[18]Degeneration  أو انحطاط الدلالة.
        والمثال على ذلك: التعبيرطول اليد : “ورد فى الحديث النبوى الشريف بمعنى: السخاء والكرم والجود، حين سألت نساء النبى صلى الله عليه وسلم: أينا أسرع لحاقًا بك يا رسول الله؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: أطولكن يدًا، فى حين أن الكلمة فى الوقت الحاضر قد تستعمل بمعنى السرقة.
        كذلك اللفظة وردتدل على نبات له أزهار جميلة المنظر ذكية الرائحة ولها ألوان جذابة، فى حين أصبح للكلمة دلالة أخرى فى بعض المطاعم فى هذا العصر، حيث يطلقونها على "البصل المجفف"، والفرق واضح فى مكانة كل معنى من المعنيين فى نفوس الجماعة اللغوية.
        وكما قد يصيب الكلمة انحطاط دلالى، فقد يكون من نصيبها أن تنال دلالة أفضل من دلالتها التى كانت تستعمل بها، وهو ما يسمى برقى الدلالة أو تسامى الدلالة Elevation [19]، ويقصد به انتقال المعنى من الأدنى إلى الأفضل، والمثال على ذلك كلمة ) قرآن(، وهى مصدر من الفعل قرأ بمعنى جمع الشىء بعضه إلى بعض، فى كلام العرب قبل الإسلام، وبمجىء الإسلام أطلقت على كلام الله تعالى "القرآن"، وفى هذا من سمو المعنى ورقيه ما لا يحتاج إلى بيان، كذلك كلمة " آية" استعملت فى كلام العرب قبل الإسلام بمعنى: العلامة، لكن دلالة الكلمة ارتقت درجة أفضل حين استعملها القرآن بمعنى الجملة من الكلام[20].
2.2. أسباب تغير المعنى
ارتباط اللغة بالمجتمع ومتغيراته المتعددة، جعل الأسباب التى تؤدى إلى تغير المعنى عديدة ومتنوعة، ويمكن تصنيف هذه الأسباب إلى نوعين:
أ- أسباب لغوية.
ب- أسباب اجتماعية.
وهذا التقسيم لغرض الدراسة والبحث فقط، وإلا فالعوامل اللغوية والاجتماعية كلتاهما تعمل جنبًا إلى جنب فى آن واحد، ودون فصل بينهما فى الواقع اللغوى.
الأسباب اللغوية:
1. الحاجة:
        مواليد الحياة المتنوعة- حسية كانت أو معنوية- تحتاج إلى أسماء تدل عليها، ويرجع اللغويون إلى كنوزهم اللغويـة المتمثلة فى التراث اللغوى، ينتقون كلمـات اندثرت فيعيدون إليها الحياة، ويسمون بها مواليد الحياة المختلفة، ومن هنا تظهر كلمات قديمة قد لبست ثيابًا جديدة من المعنى، ومثل ذلك: الجريدة، الصحيفة والوظيفة والقطار والتسجيل...إلخ.
وتتم هذه العملية على أيدى الموهوبين من الأدباء والشعراء والكتاب، كذلك للمجامع اللغوية دور مهم فى هذه العملية، وقد تدفع الحاجة إلى اللجوء إلى ألفاظ أجنبية للتعبير عن مواليد حضارية لمجتمعات أجنبية، ولعدم استيعاب المجتمع لهذا التقدم العلمى يجد نفسه مضطرًّا فى بعض الأحيان إلى عملية التعريب، وقد ينشأ عن ذلك وجود لفظ أجنبى بجوار لفظ أصيل، فيؤدى ذلك إلى الترادف، أو تصبح السيادة للفظ الأجنبى ويندثر اللفظ الأصيل[21].
2. الاستعمال:
        "إن المادة الأولية للغة ثابتة، ولكن أشكالها متغيرة، وليس من الممكن أن يتطرق الفناء أو الإماتة إلى المادة الخام، إلا إذا قضى الله ألا تكون اللغة ذاتها، فأما الأشكال فإنها تحيا وتموت، تحييها ضرورة تعبيرية، ويميتها انعدام هذه الضرورة، ثم تبعثها فى صورة أخرى ضرورة جديدة، وهكذا دواليك[22].
إن إعادة استعمال المادة القديمة فى معنى جديد _ سواء كان هذا المعنى خاصًّا أم عامًّا _ يجعلها تكتسب هذا المعنى الجديد الذى استعملت فيه.
ومثال ما شاع استعماله بين الناس فتحولت دلالته وعرف بالمعنى الجديد واندثر المعنى القديم له: الألفاظ التى كانت تدل على معانٍ عامة أو مطلقة، ثم جاء الإسلام فخصصها، مثل: الصلاة والصوم والزكاة والحج والمؤمن والكافر ...إلخ.
كذلك الألفاظ التى كانت تدل على معان خاصة ثم جاء الإسلام فعممها مثل: اليأس، الرائد ...إلخ.
كما أن كثرة الاستعمال للكلمة فى معنى مجازى يؤدى إلى انقراض المعنى الأصلى لها، ويصبح معناها المجازى حقيقة، ومثال ذلك: "تحول معنى (المغفرة والغفران) من: الستر، إلى: الصفح عن الذنوب، وتحول معنى (الوغى) من: اختلاط الأصوات فى الحرب، إلى: الحرب نفسها، ومعنى (العقيقة) من: الشعر الذى يخرج على الولد من بطن أمه، إلى: ما يذبح عنه عند حلق ذلك الشعر[23].
3. الخطأ وسـوء الفهم:
        قد ينتج عن الخطأ فى تطبيق القواعد أو سوء الفهم لها تغير دلالى، ومثال ذلك كلمة "ولد" تطلق فى اللغة العربية على المولود عامَّة مذكرًا كان أو مؤنثًا، لكن تذكير الصيغة الصرفية فى اللغة لكلمة "ولد" جعل معناها يرتبط فى الذهن بالمذكر وأصبحت تطلق على الذكر دون الأنثى فى كثير من اللهجات.
        كذلك كلمة "زوج" حدث لها تغير دلالى لنفس السبب، وواضح من المثالين السابقين أن الخطأ فى تطبيق قواعد اللغة وسوء الفهم ليس إلا نتيجة للعملية الذهنية التى تسمى بالقياس الخاطىء[24].
4. تغير مدلول الكلمة لتغير طبيعة الشىء الذى تدل عليه:
        فكلمة "الريشة" مثلاً كانت تطلق على آلة الكتابة أيام أن كانت تتخذ من ريش الطيور، ولكن تغير مدلولها الأصلى تبعًا لتغير المادة المتخذة منها آلة الكتابة فأصبحت تطلق على قطعة من المعدن مشكلة فى صورة خاصة[25]. كذلك نجد كلمات مثل: (القطار، البريد، الخاتم) تغير مدلولها لتغير طبيعة الأشياء التى كانت تدل عليها هذه الكلمات.
5. تطور أصوات الكلمة:
        "ثبات أصوات الكلمة يساعد على ثبات معناها، وتغيرها يذلل أحيانًا السبيل إلى تغيره[26]، فكلمة "كماش" الفارسية، بمعنى نسيج من قطن حسن، قد تطورت فيها الكاف فأصبحت قافًا، فشابهت الكلمة العربية: "قماش" بمعنى: أراذل الناس وما وقع على الأرض من فتات الأشياء، ومتاع البيت، فأصبحت هذه الكلمة العربية، ذات دلالة جيدة على المنسوجات[27].
6. اختصار العبارة:
        يؤدى اختصار العبارة إلى تغير دلالة الكلمة، وتشيع الدلالة الجديدة، وبعد عدة أجيال تصبح الصلة بينها وبين المعنى الجديد غير واضحة، مثال ذلك قولنا فى اللهجة العامية المصرية: "فلان من الذوات" أو " من أولاد الذوات " أى: من الأغنياء، فهذه الكلمة مختصرة بلا شك من عبارة" ذوات الأمـلاك[28].
7- المشاعر العاطفية والنفسية
تحظر اللغات استعمال بعض الكلمات لما لها من إيحاءات مكروهة, أو لدلالتها الصريحة  على ما يستقبح ذكره, وهو ما يعرف باللامساس أو ال 777.
   ولا يؤدي اللامساس إلى تغير المعنى . ولكن يحدث كثيرا أن المصطلح البديل  يكون له معنى قديم, مما يؤدي إلى تغير دلالة اللفظ. فكأن اللامساس يؤدي إلى التحليل في التعبير أو ما يسمى بالتلطف, وهو في حقيقته إبدال الكلمة الحادة بكلمة أقل حدة وأكثر قبولا, وهذا التلطف هو السبب في تغير المعنى.
ب- الأسباب الاجتماعية (غير اللغوية):
1- التطور الاجتماعي والثقافي
  قد يدخل هذا السبب في السبب السابق, ولكنه لأهمية أفرده الكثرون بالذكر. ويظهر هذا السبب في عدة صور:
أ- فقد يكون في شكل الانتقال من الدلالات الحسية إلى الدلالات التجريدية نتيجة لتطور العقل الانساني ورقيه. وانتقال الدلالة من المجال المحسوس إلى المجال المجرد يتم عادة في صورة تدريجية, ثم قد تنزوي الدلالة المحسوسة, وقد تندثر, وقد تظل مستعملة جنبا إلى جنب مع الدلالة التجريدية لفترة تطول أو تقصر.
ب- وقد يكون في شكل اتفاق مجموعة فرعية ذات ثقافة مختلفة على استخدام ألفاظ معينة في دلالات تحددها تتماشى مع الأشياء والتجارب والمفاهيم الملائمة لمهنها أو ثقافتها, وقد يؤدي هذا إلى نشؤ لغة خاصة 7777 . ولا شك أن شدة الاتصال بين أفراد هذه الجماعة, وبينها وبين أفراد أخرى من المجتمع الكبير سيقضي على صعوبة إفهام الآخرين وتعاملهم مع المدلول الجديد. وقد حدث مثل هذا بالنسبة للكلمات الدنية كالصلاة والحج والزكاة والوضوء والتيمم... ويمكن القول على وجه العموم إن الإتجاه في مثل هذه الحالات يميل نحو التضيق في معنى الكلمة حين تنتقل من الاستعمال العام إلى مجالات المتخصصة.
ب-وقد يكون في شكل استمرار استخدام اللفظ ذي المدلول القديم وإطلاقه على مدلول حديث للإحساس بالستمرار الوظيفة رغم الاحتلاف في شكل.   ومن أمثلة ذلك كلمة   (سفينة) التي لم تتغير صيغتها بشكل يكاد يذكر منذ العهدالأنجلوسكوني. ومع ذلك فإن السفن الحالية تختلف عن السفن التي كان يبحر عليها قراصنة الشمال من عدة وجوه كالحجم والتركيب والشكل والخواص الفنية ..... ومثل هذا يقال عن كلمة  البيت (الإنجلية) التي ما تزال تطلق على الشكل الحديث  رغم تغيره عن القديم. وكلمة الكتب(الإنجلزية) المأخوذة من الإنجليزية القديمة بوو . ولا شك أن الطباعة قد غيرت من مفهوم الكلمة إلى حد كبير.
ج- الإبتداع :
  ويعد (الإبتداع) أو( الخلقى ) من الأسباب الواعية لتغير المعنى. وكثيرا  ما يقوم به أحد صنفين من الناس :
أ-الموهوبون من أصحاب مهارة الكلام كالشعراء والأدباء. وحاجة الأديب إلى التوضيح الدلالة أو تقوية أثرها في الذهن هي التي تحتمه على الإلتحاء إلى الإبتداع.
ب- المجامع االلغوية والهيئات العلمية حين تحتاج إلى إستخدام من لفظ ما للتعبير عن فكرة أو مفهوم معيين, وبهذا تعطى الكلمة معن جديدا يبدأ أول الأمر اصطلاحيا, ثم قد يخرج إلى دائرة المجتمع فيغزو اللغة المشتركة كذلك. ومثال ذلك كلمة 444 التي يختلف معناها بحسب مهنة متكلم أهومزارع أم عالم رياضات أم لغوي.
2-"أن هناك عاملين يؤثران فى اللغة: عامل المجتمع، وعامل الفرد، ويمكن أن نعتبرهما عاملاً واحـدًا هو عامـل المجتمع، إذا ما رأيـنا أن المجتمـع لا يؤثـر إلا من خلال الممارسات الفردية، ومن هنا يمكن أن نعترف بأن طروء بعض التغيرات فى العربية ضرورة لا معدى عنها.
        فاللغة هى الوعاء الذى تصب فيه التجربة والخبرة الإنسانية بوجه عام، فلا بد أن يختلف شكل هذا الوعاء باختلاف مضمون التجربة التى يتضمنها، وعلى هذا يمكننا أن نميز مستويات لغوية متمايزة بتمايز المضامين والخبرات التى تتشكل فى اللغة وتشكلها، فالتجربة الاجتماعية تطبع اللغة بطابع اجتماعى، والتجربة الفنية تفرض شكلاً لغويًّا آخر، والتجربة الصوفية تصطنع لها لغة خاصة، مثل: نفحة وقطب ومدد والطريق والمريد والسالك...إلخ، كما أن الخبرة العملية والعقلية- بدورها- تنشئ لغة تناسب طبيعتها، فالخبرة الاجتماعية تميل إلى التوحيد، أى خلق بناء غير متمايز داخل المستوى الاجتماعى الواحد، فكل نشاط اجتماعى يتطلب مستوى محددًا يسهِّل عملية الاتصال بين أفراده، فنجد أن للتجار لغة (تجارية)، وللعمال لغة فرضتها طبيعة العمل والعلاقات القائمة بين الأفراد وبين الأفراد وبين المجتمع (بقية الطوائف الاجتماعية الأخرى)، مثل: مهموز، إسفين، زمبة، يهرش، يخلع...إلى آخر هذه القائمة من الألفاظ التى ارتبطت بطبقة الحرفيين والتجار فى المجتمع، والخارجين عن القوانين والأعراف (كاللصوص وتجار المخدرات ... ومن إليهم) لغة يسمونها: (سيم) وهى خاصة بهم، وتتميز بالغموض والخفاء تبعًا لطبيعة أنشطتهم، "فيسمى بعض اللصوص رجل الشرطة: حذاء، ويطلقون على الضحية: العم أو الزبون ويطلق السماسرة والمقامرون على رزمة النقود التى تبلغ ألفًا من الجنيهات: باكو[29].
        إن لهذه الطوائف والجماعات ما يمكن أن يطلق عليه: "اللغات الخاصة[30]. . وللفنانين لغة تميل إلى الفردية والابتكار والانحراف أحيانًا، أما بالنسبة للنشاط العقلى العلمى، فلغته تتميز بالتحديد والوضوح، بل إن العلم (الطبيعى بخاصة) أصبحت له لغة ذات قاموس خاص، ويعتمد غالبًا على الأرقام والمعادلات، فى محاولة للخروج من خصوصية اللغة والتباسها وما تحمله كل لفظة من تراث ومضامين وظلال ربما تشوش على تحديد المعنى بالدقة التى تتطلبها طبيعة هذه العلوم من الموضوعية.
        أيضًا اختلاف البيئة المكانية له دوره فى التغير اللغوى، فمثلاً: يطلق لفظ الشاب على العجل (من الجاموس) فى صعيد مصر، بينما يطلق على الفتى فى مدينة القاهرة وهكذا فقد تنحط دلالات بعض الألفاظ فى بيئة معينة، وقد تسمو دلالات هذه الألفاظ نفسها فى بيئة أخرى، وليس أدل على ذلك من دلالة كلمة كرسى، التى تتمتع بدلالة مقدسة عند علماء الشريعة الإسلامية؛ لما أعطاها الإسلام من دلالة رفيعة عالية (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) البقرة/ 255 . هذا بخلاف معناها عند النجار وبخلاف معناها عند مدمنى المخدرات.
        ولا يغفل دور وسائل الإعلام فى التطور اللغوى، فاللغة الإعلامية هى البادئة بالتطور، بحكم كونها لغة حضارية ولابد أن تطوّع نفسها للتعبير عن مقتضيات العصر، خاصة وأنها لغة إخبارية تختلف المادة التى تقدم من خلالها من مرحلة إلى أخرى، بل من لحظة إلى أخرى[31].
        كما أن السرعة التى تتطلبها طبيعة اللغة الإخبارية تؤدى إلى البحث عن أقرب الكلمات إلى التعبير وإلى الفهم كليهما، وربما أدى ذلك إلى التسامح فى استخدام الألفاظ فى غير مواضعـها أحيانًا، واللغة الإعلامية تحتاج إلى تعريف لمصـدر الخبر،ولذلك نلمح فيها اهتمامًا خاصًّا بألفاظ الكلام، فمرة يقول المصدر، ومرة يؤكد، ومرة يعلِّق، ومرة يصرِّح ... إلخ.
        ولقد ساعدت الوسائل الإعلامية على انتشار ألفاظ بعينها؛ لمناسبتها للطبيعة الإخبارية، وجانب كبير من هذه الألفاظ مما يدل على الكلام، مثل: خبر، أخبر، مصدر، جريدة، ذكر، متحدث، صرح، أعرب، وضح، تحليل، تعليق، عرض، أشار، حذَّر، ندَّد، أدان، أنباء، أعلن، شجب، استنكر، مباحثات ..إلخ.
        كما أن ارتباط الوسائل الإعلامية بالسياسة ونظام الحكم كان له الأثر الواضح فى نشر كثير من ألفاظ الكلام وتطورها، ففى المجال السياسى: مؤتمر، اتفاق، معاهدة، قرار، تأييد، رفض، تنديد، شجب، خطاب، بيان.
        وارتباط هذه الوسائل أيضًا بالفنون وسَّع انتشار ألفاظ كثيرة وأكسبها لونًا من التطور، مثل: برنامج، أغنية، تمثيلية، حوار ...إلخ.
        أيضًا ارتباط هذه الوسائل بالقارئ أو المتلقى بوجه عام، أدى إلى استخدام لغة وسيطة بين الفصحى والعامية، وهذا يلمح فيها قدر كبير من التطور.
        أوضح الدلالات التى تحملها الألفاظ فى الوسائل الإعلامية هى الدلالة الاصطلاحية، فمثلاً حين ترد لفظة "صرّح" نفهم منها أن مسئولاً كبيرًا أو شخصًا له أهميته وثقله هو الذى صرّح، وحين نقول: ندّد، نفهم أن هناك أزمة أو بوادر أزمة سياسية، وحين ترد كلمة: حوار، نفهم أن هناك علاقات طيبة بين البلدين المتحاورين، إلى آخر هذه الألفاظ التى لا نستطيع أن نردها كمخاطبين إلى أصولها القديمة، أو ما تحمله من دلالات وظلالات قديمة، فقط يعبُر الذهن بكل ما تحمله اللفظة من دلالات وظلال قديمة عبورًا سريعًاإن طافت به أصلاً هذه الدلالات وتلك الظلال- ويتعامل مع التواضع الحديث للفظة، فحينما نسمع أو نقرأ لفظة: "قرار" لا يطوف بذهننا المعنى القديم (الذى يرجع إلى مجال الحركة)، ونفهم منه الدلالات الحديثة: كلمات تحدد شيئًا من أمور المجتمع يعلنها مسئول مختص.
        يضاف إلى ذلك أن وسائل الإعلام أدخلت فى اللغة العربية ألفاظًا وتعبيرات أجنبية مثل: استراتيجية، فيتو، أوكى، كاريكاتير، بولوتيكا، بوليس، تياترو ..إلخ.
 




الباب الثالث
                                                الاختتام
۱.3. الخلاصة

تحديد طرق تغير المعنى يُعد ثمرةً لجهود اللغويين المحدثين, حيث أفادت دراستهم عن التطور الدلالى حصر مظااهر رئسية لهذا التطور, و هى:
5- توسيع المعنى (التعميم) Widening
6- تضييق المعنى (التخصيص) Narrowing
7- انتقال المعنى.
8- مظااهر أخرى.
وارتباط اللغة بالمجتمع ومتغيراته المتعددة، جعل الأسباب التى تؤدى إلى تغير المعنى عديدة ومتنوعة، ويمكن تصنيف هذه الأسباب إلى نوعين:
أ- أسباب لغوية.
ب- أسباب اجتماعية.





Terima kasih telah atas kontribusi Anda berupa saran terjemahan pada Google Terjemahan.
Top of Form
Menyumbangkan terjemahan yang lebih baik:
Bottom of Form


Bahasa yang tersedia untuk penerjemahan:


[1]  د. إبراهيم أنيس: دلالة الألفاظ: ص 154.
[2]  فندريس: اللغة (الترجمة العربية): ص 258.
[3]  أولمان: دور الكلمة فى اللغة (الترجمة العربية): ص
[4] د. إبراهيم أنيس: دلالة الألفاظ: ص 155
[5] السيوطى: المزهر: 1/429
[6]  انظر: ص 31 من هذه الدراسة
[7] د. إبراهيم أنيس: دلالة الألفاظ: ص 155
[8] أولمان، دور الكلمة فى اللغة: (الترجمة العربية)، ص 180
[9] د. إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ: ص 154
[10] السيوطى: المزهر : 1/433
[11]  فندريس: اللغة، (الترجمة العربية): ص 256
[12]  أولمان: دور الكلمة فى اللغة (الترجمة العربية): ص185
[13] أولمان: دور الكلمة فى اللغة (الترجمة العربية)، ص 183
[14]المرجع السابق: ص 188.
[15] أولمان، دور الكلمة فى اللغة (الترجمة العربية): ص 185
[16]  أولمان، دور الكلمة فى اللغة: ص 185 (تعليق المترجم
[17] أولمان: دور الكلمة فى اللغة، ص 185 (تعليق المترجم).
[18]  د. إبراهيم أنيس: دلالة الألفاظ، ص 156..
[19]  لسان العرب: مادة (ق ر أ)؛ مادة: (أ ى ا)
[20] د. إبراهيم أنيس: دلالة الألفاظ: ص 149 وما بعدها.
[21] د. عبد الصبور شاهين: العربية لغة العلوم والتقنية: ص 55.
[22] د. إبراهيم أنيس: دلالة الألفاظ: ص 155.
[23] د. إبراهيم أنيس: دلالة الألفاظ: ص 137.
[24] أولمان: دور الكلمة فى اللغة (الترجمة العربية): ص 324.
[25] المرجع السابق: ص 322.
[26]  د. عبدالصبور شاهين: فى التطور اللغوى: ص  118
[27] المرجع السابق: ص 113
[28] د. عبدالصبور شاهين: فى العربية لغة العلوم والتقنية: ص 45.
[29] المرجع السابق: ص 118
[30] السابق نفسـه: ص 174
[31]  د. عبدالعزيز شرف: اللغة الإعلامية: ص 191

Tidak ada komentar:

Posting Komentar