Jumat, 15 Juni 2012

الدولة الأموية



بدأ العصر الأموى سنة 41 هـ بسيطرة معاوية بن أبى سفيان على الدولة الإسلامية، ثم انتهى سنة 132 هـ، بسقوط الدولة الأموية، وقيام الدولة العباسية، وانتقال الخلافة إلى بغداد وضح حال كل من الشعر والنثر في العصر الأموي
السياسية وكثرة المفاخرة بين الشعراء، بالإضافة إلى فساد الحكم وإطلاق حرية التعبير فازدهر شعر الغزل بنوعيه: العفيف والصريح، وظهر شعر النقائض على ألسنة الشعراء تقدم النثر في العصر الإسلامي على الشعر لنزول القرآن نثراً وكذلك الحديث ثالثاً : عاصمة الدولة الأموية وأحاديث الرسول في فضائل الشام :
كانت الشام إحدى الولايات الهامة في الامبراطرية الرومانية الشرقية "البيزنطية", بل كانت لقربها من بيت المقدس, وتاريخها القديم, إحدى المراكز الحضارية في هذه الامبراطورية, وكان العرب قبل الإسلام ينظرون إليها نظرة كبيرة, لما تحتويه من حضارة, فضلاً عما بها من خيرات وخضرة وأسواق, وتعتبر مدينة دمشق المدينة الأولى في بلاد الشام, فهي قاعدتها ومدينتها العظمى, ولعبت دوراً كبيراً في تاريخ المنطقة, لذلك اتخذها الحاكم الروماني قاعدة حكمه, ولما دخل الإسلام الشام ودمشق خاصة, حافظ عليها, واحتفظ الولاة لها بميزاتها وظل معاوية الوالي يعتني بها طوال فترة ولايته عليها, وأقام علاقات وطيدة مع سكانها[1], وعرف أهمية القبائل اليمنية في دمشق والشام, فتزوج من إحداها وهي بني كلب وأنجب من زوجته الكلبية ابنه يزيد, فضمن ولاءهم له ولأبنائه من بعده, لأن الخؤولة من أبرز ما تتحزب له القبائل العربية, هذا فضلا عن أن التصاهر عند العرب بمثابة التحالف السياسي[2], وقد كان معاوية ذكيا في اعتماده على القبائل اليمنية بدمشق والشام[3], ولما قامت الدولة الأموية, رأى معاوية أن الدولة الإسلامية توسعت وامتدت شرقاً وغرباً  فلم يجد أفضل من دمشق عاصمة للخلافة الأمويه وذلك لأنها تقع بين جزئي العالم الإسلامي؛ الجزء الشرقي الذي يشمل العراق وفارس, والجزء الغربي الذي يشمل مصر والمغرب, فضلا عن أن القبائل التي ارتبطت به أيدته ودعمت موقفه وصارت يده الطولى في تدعيم حكمه, أي أنها كانت القوة العسكرية والسياسية التي استند عليها الحكم والدولة الأموية, كما قدم له سكان البلد ما يمكن أن يقدموه من خبرة وعمل إدراي[4], فقد وجد معاوية في دمشق تقاليد عريقة في الحكم والادارة, كما وجد جهازاً إدارياً متمرساً  ساعده على تأسيس مهمته في فترة التأسيس هذه التي لا تحتاج الارادة الطيبة, فحسب, بل الخبرة والمران اللذين وفرهما له جهاز الموظفين الذين كانوا يعملون في ظل الادارة البيزنطية في الميدانين الإداري والمالي, كما أنه لابد لنا أن نلاحظ حظ الشام من الحضارة كان أوفر من حظ الأمصار الأخرى, فالقبائل العربية التي هاجرت إليها واستقرت فيها قبل الفتح كانت قد اعتادت فكرة الحكم المركزي وفكرة الدولة عموماً, على عكس عرب العراق مثلاً الذين لم يتقبلوا هذه الفكرة بسهولة, وينطبق هذا على من سكن العراق منهم قبل الفتح وبعده, فالذين سكنوا العراق قبل الفتح كانوا في خصومة وصراع دائمين مع الحكم الفارسي[5], وسكان بلاد الشام كانوا قد اعتادوا الخضوع والتعايش مع البيزنطيين, كما أن العرب الذين هاجروا إلى الشام بعد الفتح لم يعيشوا في معسكرات مستقلة, كما كانت الحال في العراق (البصرة والكوفة), بل عاشوا جنباً إلى جنب مع السكان المحليين والقبائل التي كانت تقطن الشام قبلاً, وقد ساعد هذا الاختلاط على كسر حدة التمرد القبلي[6] وقد ساعد على تحقيق انتصارت معاوية في الخارج الجيش الشامي الذي جمعه ونظمه ودربه منذ أن كان والياً, والذي أغدق عليه العطاء, ولم يبخل عليه بكل مايوفر له سبل الرضا والاخلاص بعد أن غدا خليفة وتعددت لقاءاته في البر والبحر مع الامبراطورية البيزنطية, وقد ساعدت هذه اللقاءات المستمرة على اعطاء جيش الشام فرصاً كثيره للتدريب العملي وقدمت له الخبرة اللا زمة[7], كما كان لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أثرها في هجرت الناس للشام, واعتزاز أهلها بالإسلام وحرصهم على زعامة العالم الإسلامي, فالنبي صلى الله عليه وسلم ميز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائماً إلى آخر الدهر, وبأن الطائفة المنصورة فيهم إلى آخر الدهر, فهو إخبار عن أمر دائم مستمر فيهم مع الكثرة والقوة[8]، وقد كان معاوية يحتج لأهل الشام بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله, لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم, حتى تقوم الساعة[9],فقام ملك بن يخامر يذكر أنه سمع معاذاً يقول : وهم بالشام, فقال معاوية : وهذا مالك بن يخامر يذكر أنه سمع معاذا يقول : وهم[10] بالشام ومارواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لايزال أهل الغرب ظاهرين[11], قال الإمام أحمد : وأهل الغرب هم أهل الشام[12]. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مقيماً بالمدينة فما يغرب عنها فهو غربه, وما يشرق عنها فهو شرقه[13]... فقد أخبر أن الطائفة المنصورة القائمة على الحق من أمته بالمغرب وهو الشام وما يغرب عنها ... وكان أهل المدينة يسومون أهل الشام, أهل المغرب, ويقولون عن الأوزاعي : إنه إمام أهل المغرب[14], فإذا دلت النصوص على أن الطائفة القائمة بالحق من أمته التي لا يضرها خلاف المخالف, ولا خذلان الخاذل هي بالشام, فهذا لا يعارض قوله صلى الله عليه وسلم : تقتل عماراً الفئة الباغية[15], وقوله في الخوارج صلى الله عليه وسلم : تقتلهم أولى الطائفتين بالحق[16], ولا ريب أن هذه النصوص لابد من الجمع بينها, فيقال, أما قول صلى الله عليه وسلم : لا يزال أهل الغرب ظاهرين[17]. ونحو ذلك مما يدل على ظهور أهل الشام وانتصارهم, فهذا وقع وهذا هو الأمر فإنهم ما زالوا ظاهرين منتصرين[18], وأما قوله : عليه السلام : لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله [19], والذي هو ظاهر, فلا يقتضي ألا يكون فيهم من فيه بغي ومن غيره أولى بالحق منهم, بل فيهم هذا وهذا[20] وأما قوله : تقتلهم أولى الطائفتين بالحق فهذا دليل على أن علياً ومن معه كان أولى بالحق إذ ذاك من الطائفة الأخرى, وإذا كان الشخص أو الطائفة مرجوحاً في بعض الأحوال لم يمنع أن يكون قائماً بأمر الله, وأن يكون ظاهراً بالقيام بأمر الله عن طاعة الله ورسوله, وقد يكون الفعل طاعة وغيره أطوع منه وأما كون بعضهم باغياً في بعض الأوقات, مع كون بغيه خطأ مغفوراً له, أو ذنباً مغفوراً, فهذا –أيضاً- لا يمنع ما شهدت به النصوص؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن جملة أهل الشام وعظمتهم, ولا ريب أن جملتهم كانوا أرجح في عموم الأحوال[21], وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يفضلهم في مدة خلافته على أهل العراق, حتى قدم الشام غير مرة وامتنع من الذهاب إلى العراق, واستشار فأشار عليه أنه لا يذهب إليها, وكذلك حين وفاته لما طغى أدخل عليه أهل المدينة أولا وهم كانوا إذ ذاك أفضل الأمة, ثم أدخل عليه أهل الشام, ثم أدخل عليه أهل العراق, وكانوا آخر من دخل عليه[22] وكذلك الصديق كانت عنايته بفتح الشام أكثر من عنايته بفتح العراق حتى قال : لَكَفرْ الشام أحب إلى من فتح مدينة العراق [23], والنصوص التي في كتاب الله وسنة رسوله وأصحابه في فضل الشام, وأهل الغرب على نجد والعراق وسائر أهل المشرق, أكثر من أن تذكر هنا, بل عن النبي صلى الله عليه وسلم من النصوص الصحيحه في ذم المشرق وإخباره بأن الفتنة ورأس الكفر منه ماليس هذا موضعه, وإنما كان فضل المشرق عليهم بوجود أمير المؤمنين علي, وذلك كان أمراً عارضاً ولهذا لما –مات- علي رضي الله عنه أظهر منهم من الفتن, والنفاق, والردة, والبدع, مايعلم به أن أولئك كان أرجح[24]. وكذلك – أيضاً – لاريب أن في أعيانهم من العلماء والصالحين من هو أفضل من كثير من أهل الشام, كما كان علي وابن مسعود, وعمار وحذيفة ونحوهم, أفضل من أكثر من بالشام من الصحابة, لكن مقابلة الجملة وترجيحها لا يمنع اختصاص الطائفة الأخرى بأمر راجح وهذا يبين رجحان الطائفة الشامية من بعض الوجوه مع أن علياً رضي الله عنه كان أولى بالحق ممن فارقه, ومع أن عماراً قتلته الفئه الباغية – كما جاءت به النصوص – فعلينا أن نؤمن بكل ما جاء من عند الله, ونقر بالحق كله, ولا يكون لنا هوى, ولانتكلم بغير علم, بل نسلك سبل العلم والعدل, وذلك هو اتباع الكتاب والسنة, فأما من تمسك ببعض الحق دون بعض, فهذا منشأ الفرقة والإختلاف[25] .


: مباشرة معاوية للأمور بنفسه وحرصه على توطين الأمن في خلافته:
أولاً: مباشرة معاوية للأمور بنفسه:
ومن القواعد التي قامت عليها سياسة معاوية الداخلية مباشرة الأمور بنفسه، وكان رضي الله عنه يحرص على معرفة كل صغيرة وكبيرة في دولة فرغم أنه استعان بأمهر رجال عصره، إلا أنه لم يكن يكتفي بذلك بل كرّس كل وقته وجهده للدولة ورعاية مصالح المسلمين[26].
1 ـ مجلس معاوية في يومه:كان معاوية رضي الله عنه، يظهر في اليوم والليلة خمس مرات، فكان إذا صلى الصبح جلس للقصاص حتى يفرغ من قصصه ثم يدخل فيؤتي بمصحفه، فيقرأ جزأه ثم يدخل إلى منزله فيأمر وينهي ثم يصلي أربع ركعات، ويخرج إلى مجلسه، فينادي بخاصته، فيحدثهم ويحدثونه، ويدخل عليه وزراءه، فيكلمونه فيما يريدون من يومهم، ثم يؤتى بالغداء الأصغر، وهو فضل عشاء الليل، ...ثم يتحدث طويلاً، ثم يدخل منزله لما أراد ثم يخرج فيقول يا غلام أخرج الكرسي، ويسند ظهره إلى المقصورة، ويقوم الحراس، فيقدم إليه الضعيف والإعرابي والصبي والمرأة فيقول: ظلمت، فيقول: أعزّوه ويقول: عدي عليّ فيقول: ابعثوا معه، ويقول صنع بي فيقول: انظروا له، حتى لم يبق أحد دخل فجلس على السرير، ثم يقول: ائذنوا للناس على قدر منازلهم ولا يشغلني أحد عن رد السلام، فيقال: كيف أصبح أمير المؤمنين أطال الله عمره؟ فيقول: بنعمة من الله، فإذا استووا جلوساً قال: يا هؤلاء إنما سُميتم أشرافاً، لأنكم شرفتم من دونكم بهذا المجلس، ارفعوا حاجة من لا يصل إلينا فيقوم الرجل فيقول: استشهد فلان، فيقول: افرضوا لولده، ويقول: غاب فلان عن أهله فيقول: تعاهدوهم وأعطوهم، واقضوا حوائجهم واخدموهم. ويؤتى بالغداء ويحضر الكاتب، فيقوم عند رأسه ويقدم الرجل فيقال له: اجلس على المائدة فيجلس فيمد يده، فيأكل لقمتين أو ثلاثاً، والكاتب يقرأ كتابه، فيأمر فيه بأمره، فيقال: يا عبد الله أعقب، فيقوم ويتقدم آخر حتى يأتي على أصحاب الحوائج كلهم، وربما قدم عليه من أصحاب الحوائج أربعون أو نحوهم على قدر الغداء، ثم يرفع الغداء، وينصرف الناس، ويدخل منزله، فلا يطمع فيه طامع حتى ينادى بالظهر، فيخرج فيصليَّ[27]ثم يجلس فيأذن لخاصة الخاصة، فإن كان الوقت شتاء أتاهم بزاد الحاج، من الأخبصة اليابسة والخشكبالج[28]، والأقراص المعجونة، بالسكر والليّن من دقيق السميد، والكعك المسمن والفواكه اليابسة وإن كان الصيف أتاهم بالفواكه الرطبة ويدخل عليه وزراءه فيؤامرونه فيما احتاجوا إليه بقية يومهم، ويجلس إلى العصر، ثم يخرج فيصلي العصر ثم يدخل منزله، فلا يطمع فيه طامع حتى إذا كان في آخر وقت العصر، خرج فجلس على سريره، ويؤذن للناس على منازلهم، فيؤتى بالعشاء فيفرغ منها مقدار ما ينادي بالمغرب فيصليها، ثم يصلي أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة خمسين آية، يجهر تارة ويخافت أخرى. ثم يدخل منزله فلا يطمع فيه طامع حتى ينادي بالعشاء الآخرة، فيخرج فيصلي ثم يؤذن للخاصة، وخاصة الخاصة، والوزراء والحاشية، فيؤامره الوزراء فيما أرادوا صدراً من ليلتهم، ويسمر ثلث الليل في أخبار العرب وأيامها، والعجم وملوكها وسياساتها وسير الأمم وحروبها، ومكائدها وسياساتها  لرعيتها، وغير ذلك من أخبار الأمم السالفة، ثم تأتيه الطرف الغريبة من عند نسائه: من الحلواء وغيرها من المآكل اللطيفة، ثم يدخل فينام ثلث الليل، ثم يقوم: فيحضر الدفاتر، فيها سير الملوك وأخبارها، والحروب والمكائد فيقرأ ذلك عليه غلمان له مرتبون، وقد وكّلوا بحفظها وقراءتها، فيمر بسمعه كل ليلة جمل من الأخبار والسير والآثار، فيخرج ثم يصلي الصبح، ثم يعود فيفعل ما وصفنا كل يوم وليلة وقد تبعه في ذلك، عبد الملك بن مروان وغيره، فلم يدركوا حلمه، ولا إتقانه السياسة ولا التأني للأمور ولا مدارات الناس على منازلهم، ورفقه بهم على طبقاتهم[29].
2 ـ الدواوين المركزية التابعة لمعاوية:
أ ـ ديوان الرسائل:
هو الهيئة المشرفة على تحرير رسائل الخليفة وأوامره وعهوده، ووصاياه، ومواثيقه إلى موظفيه في الأقاليم الإسلامية إلى البلدان الخارجية التي لها علاقة بالدولة الإسلامية[30]ومن أشهر من أشرف على ديوان الرسائل وقام بمهمة الكتابة في هذا الديوان في عهد معاوية عبد الله بن اوس الغساني، وزمل بن عمرو العذري، واستمر هذان الكاتبان في خلافة يزيد الأول[31]، وكانت وسيلة الرسائل في الاتصال بالولاة وقادة الجند، والقضاة، وزعماء القبائل تابعة لمعاوية وتحت إشرافه المباشر.
ب ـ ديوان الخاتم:
أنشأ معاوية بن أبي سفيان رضي لله عنه ديوان الخاتم لتحقيق السرية والأمان لمراسلات الدولة فلا تطلع عليها عين جاسوس ولا تصل إليها يد خائن[32]، وكان من أغراض هذا الديوان تحاشي التزوير، ومنع حدوث التلاعب، في الكتب التي يصدرها الخليفة، ثم أصبح الديوان بمثابة سجل للكتب الصادرة، وصارت الدولة تعتمد عليه في تدقيق الأوامر، والمراسلات التي تتعلق بالصرف والحسابات، بين مقر الخلافة والأقاليم الإسلامية الأخرى[33]، كما أنه كان يقوم بالأشراف على تدقيق الدواوين الأخرى، وبيان الأخطاء التي تقع فيها، وهذا الديوان يختلف عن ختم الرسول صلى الله عليه وسلم، وختم الخلفاء الراشدين، فختم الرسول صلى الله عليه وسلم يعني التوقيع بالختم، بينما نره في عهد معاوية، وعصر الدولة الأموية ـ بمثابة ـ جهاز للفحص والتدقيق في الأعمال الصادرة عن الدواوين الأخرى، وقد تقلد الخاتم الكبير لمعاوية، عبد الله بن محصن الحميري وكان سبب ذلك أن معاوية أمر لعمرو بن الزبير في معونته وقضاء دينه بمائة ألف درهم، وكتب بذلك إلى زياد بن أبيه وهو على العراق، ففض عمرو الكتاب وصير المائة مائتين، فلما رفع زياد حسابه أنكرها معاوية، فأخذ عمراً بردها وحبسه، فأدها عنه أخوه عبد الله بن الزبير، فأحدث معاوية عند ذلك ديوان الخاتم وخزم الكتب[34]، ولم تكن تخزم[35]، وفي الحقيقة فإن تأسيس ديوان الخاتم أملته ظروف اتساع الدولة الإسلامية في عهد معاوية رضي الله عنه، وحاجة الخليفة إلى نظام اتصال آمن وسري لمتابعة عماله وقواده ورجال دولته[36].
خـ ـ ديوان البريد: يذكر المؤرخون: أن معاوية بن أبي سفيان أول من ادخل نظام البريد في الدولة الإسلامية، وأصدر أوامره بوضع الخيول في عدة أماكن، وقام بتنظيمه[37]، وتشير بعض المصادر إلى أنه اقتبس من الروم[38]، وكانت أعماله في العصر الأموي، واسعة ومتشعبة، نظراً لسعة رقعة الدولة الإسلامية، وقد قام الخلفاء الأمويون بتحسين طرق المواصلات التي سير عليها صاحب البريد، وكانت تلك الطرق واضحة ومعلومة، والدليل على تحسين هذه الطرق هو سرعة وصول الأخبار إلى مقر الخلافة بالشام[39]، ولم تكن خدمات البريد قاصرة على ما يتعلق بالدولة، بل كان في بعض الأوقات يحمل رسائل الناس من بلد إلى آخر[40]، وكانت الدولة في عهد معاوية لا تستغني عن البريد في حالات السلم، وحالات الحرب، وكان موظف البريد من أهم أعوان الخليفة وقد ذكرت بعض المصادر أسماء بعض من اشتغل مع معاوية في ديوان البريد وهما: نصر ين ذبيان، والكميت، كانا على البريد في أيام معاوية واستخدامهما في نقل الأخبار بين الشام والحجاز[41] ، وكانت أهم وسائل النقل: البغال[42]، والخيل[43]، ويعتبر معاوية مؤسس نظام البريد في الإسلام، حيث كانت الرسائل ترسل قبل ذلك من قبل الخليفة إلى الجهة التي يراد إرسالها إليها، عن طريق رسول يحملها وينطلق بها وحده، حتى يوصلها إلى الجهة المقصودة، فكانت بذلك الرسائل تستغرق مدة طويلة حتى تصل إلى محلها وأم نظام البريد الذي استخدمه معاوية اقتباساً من البيزنطيين فقد كان يقتضي أن تقسم الطرق إلى مسافات، يوضع في نهاية كل مسافة دواب (خيل) مهيأة لحمل رسائل الخليفة إلى الجهات المختلفة، تسلم الكتب والرسائل إلى صاحب البريد، وينطلق بها مسرعاً حتى إذا بلغ نهاية المسافة سلمها لمن بعده، وتظل الرسالة تنطلق من مسافة إلى مسافة حتى تصل إلى الجهات المرسلة إليها في أقصر مدة، وأما مقدار المسافة الواحدة، فكان أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، وبذلك يكون طول المسافة أثنى عشر ميلاً، أي عشرين كيلو متراً تقريباً، وهذه المسافة تسمى بريداً، وبهذه الطريقة تصل الرسالة بأكبر سرعة، دون إجهاد لصاحب البريد، حيث أن المسافة يمكن قطعها بسهولة، وتناوب أصحاب البريد إذا كان سيقطع المسافة وحده، وهكذا يوفر هذا النظام الراحة لأصحاب البريد، واختصار الوقت[44]، يقول أبو هلال العسكري: أول من وضع البريد في توصيلها يوفر الزمن الذي يستريحه صاحب البريد في الإسلام معاوية بن أبي سفيان، وأحكم أمره عبد الملك[45].
س ـ نظام الكتبة: كان هناك كاتب لديوان الرسائل، وآخر لديوان الخراج، وثالث لديوان الجند، ورابع لديوان الشرطة وخامس لديوان القضاء، وكان في عهد الأمويين أكبر دواوين الدولة، ويقوم الموظفون فيه بنسخ أوامر الخليفة، وإيداعها ديوان الخاتم، بعد أن تحزم وتختم بالشمع، ثم تختم بخاتم صاحب الديوان[46]، وظل ديوان الخاتم من أكبر دواوين الدولة، منذ أنشأه معاوية، وحتى أواسط العهد العباسي[47]، وكانت هذه الدواوين تقوم بأعمال وزارة المالية(ديوان الخراج) ووزارة الدفاع (ديوان الجند) ووزارة الداخلية (ديوان الشرطة) ووزارة العدل (ديوان القضاء) كما كان ديوان الرسائل يقوم بأعمال السكرتيرية، وديوان الخاتم يقوم بأعمال السجلات والأرشيف وكان لكل ديوان موظفوه من الكتبة المتخصصين، وكان ديوان الخراج يكتب في العراق باللغة الفارسية، وفي الشام ومصر باللغة الرومية وظل كذلك حتى عرّبه عبد الملك بن مروان[48].

ثانياً : حرصه على توطين الأمن في خلافته:
          ومن القواعد التي بنى عليها معاوية سياسته الداخلية توطيد الأمن في ربوع العالم الإسلامي وقد اتخذ معاوية عدة وسائل لتحقيق هذا الهدف.
1 ـ الحاجب: كان معاوية بن أبي سفيان أول من اتخذ الحاجب في الإسلام، لكي يتجنب محاولات الاعتداء عليه[49]، وكان بعض المظاهر الملكية له ما يبرره في هذه الحقبة التاريخية فقد عبر ابن خلدون على احتجاب الخلفاء عن الناس، على النحو التالي: كان أول شيء بدأ به في الدولة شأن الباب وستره دون الجمهور، لما كان يخشون على أنفسهم من اغتيال الخوارج وغيرهم كما وقع بعمر وعلي ومعاوية وعمر بن العاص وغيرهم، مع ما في فتحه من ازدحام الناس عليهم وشغلهم بهم عن المهمات، فاتخذوا من يقوم لهم بذلك وسموه الحاجب[50]، ومما يعزز آراء ابن خلدون عن وجود العامل الأمني وراء اتخاذ معاوية من محاولة اغتياله التي دبرها الخوارج: أمر عند ذلك بالمقصورات وحرس الليل، وقيام الشرطة على رأسه إذا سجد[51]، وقد كان معاوية وبنو أمية يعيشون في الشام قريباً من أعدائهم الموتورين من الروم، فضلاً عن أعدائهم الموتورين من الشيعة والخوارج المتفرقين في البلاد، وكانوا يرون لابد لهم لاستقرار الدولة الإسلامية التي قتل ثلاثة من خلفائها من اتخاذ نمط من أنماط الحراسة والاحتراز[52]، وقد ذكر المؤرخون أسماء أربعة من مواليه شغلوا له وظيفة الحاجب، وهم سعد، وأبو أيوب، وصفوان[53]، وكان يشترط في الحاجب أن يعرف منازل الناس وأنسابهم وطبقاتهم، لكي يتمكن أن يعرف من يأذن لهم، ومن لا يأذن لهم، فقد رويت أخبار كثيرة تؤكد ذلك، فمعاوية بن أبي سفيان قال لحصين بن المنذر، وكان يدخل عليه في آخريات الناس:
يا أبا ساسان كأنه لا يحسن أذنك؟ فأنشأ يقول:
                                      وكل خفيف الساق يسعى مشمراً
                                                                             إذا فتـح البواب بابـك أصبعاً                                   ونحـن الجلـوس الماكثون رزانة
وحلما إلى أن يفتح الباب أجمعا[54]

وعندما دخل شريك الحارثي على معاوية قال له: من أنت؟ فقال: يا أمير المؤمنين مارأيت لك هفوة قبل هذه مثلك ينكر مثلي من رعيته، فقال له معاوية: إن معرفتك متفرقة أعرف وجهك إذا حضرت الوجوه، وأعرف إسمك في الأسماء إذا ذكرت، ولا أعلم أن ذلك الاسم هو هذا الوجه ما ذكر لي اسمك تجتمع معرفتك[55]، فالحاجب يخبر الخليفة والخليفة هو الذي يأذن أو لا يأذن. وذات يوم وقف الأحنف بن قيس، ومحمد بن الأشعث بباب معاوية الأول، فإذن للأحنف، ثم إذن لابن الأشعث، فأسرع في مشيته حتى تقدم الأحنف ودخل قبله، فلما رآه معاوية غمه ذلك، وأحنقه فالتفت إليه فقال: والله إني ما أذنت له قبلك وأنا أريد أن تدخل قبله، وأنا كما نلي أموركم كذلك نلي آدابكم ولا يزيد متزيد في خطوة إلا لنقص يجده في نفسه[56].
2 ـ الحرس : كان معاوية بن أبي سفيان أول من اتخذ الحرس في الدولة الإسلامية، خوفاً من الخوارج الذين كانوا يريدون قتله، فقد أمر بالمقصورات في الجوامع وكان لا يدخلها إلا ثقاة وحراسه[57]، وكما يبدو أن معاوية لم يكتف باتخاذ الحرس، بل اتخذ المقاصير زيادة في التشدد وذلك لحماية نفسه من أي اعتداء قد يقع عليه[58] وقد ذكرت كتب التاريخ أسماء رؤساء الحرس في عهد معاوية وهم: المحتار: أبو المخارق[59]، ويزيد بن الحارث العبسي[60].
3 ـ الشرطة: وظيفتها المحافظة على الأمن والنظام، والقبض على اللصوص والجناة والمفسدين، والدفاع عن الخليفة، وهي غير مسؤولة عن صد أي هجوم خارجي عن الدولة[61] وقد قام معاوية بتنظيمها وتطويرها في الشام وقد ذكر المؤرخون أربعة أسماء من الذين عينهم على رئاسة الشرطة وهم: قيس بن حمزة الهمذاني، زمل بن عمرو العذري، الضحاك بن قيس الفهري ويزيد بن الحر العنسي[62] والشرطة لا يقتصر وجودها على عاصمة الخلافة فقط بل في الولايات الإسلامية الأخرى وهم يتبعون الولاة فهم الذين يختارونهم ويعينونهم وكان وجودها مهم للدولة والمجتمع، فالدولة تعتمد عليها في قمع المتمردين، وفي القضاء على الثورات، والاضطرابات، وربما كانت تحل محل الجند في حالة عنايتهم واشتراكهم في الغزوات، وهي للمجتمع، لأنها تعمل على تحقيق الأمن والاستقرار، فهي الجهة الوحيدة المسؤولة عن حماية أرواح الناس، وحفظ حقوقهم وأموالهم من اعتداء بعضهم على بعض وقد كلف الخلفاء الأمويون رؤساء الشرطة بأعمال شتى خارج بلاد الشام وداخلها: فالضحاك بن قيس كلفه معاوية، بإبلاغ وصيته لابنه يزيد، وأخذ البيعة له[63].
4 ـ حسن اختيار الرجال والأعوان : فقد وفق معاوية رضي الله عنه في اختيار أعوانه من الرجال الموثوق بولايتهم وخبرتهم الإدارية، مع حكمتهم ودهائهم. ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر: عمرو بن العاص السهمي، والمغيرة بن شعبة الثقفي، وزياد بن أبيه الثقفي، ويزيد بن الحر العبسي، والضحاك بن قيس الفهري، وعبد الله بن عامر بن كريز، وغيرهم من القادة المقاتلين أمثال المهلب بن أبي صفرة، وعقبة بن نافع الفهري، ومالك بن هبيرة، وجنادة بن أمية الأزدي وآخرين، وكان عمرو بن العاص يقول: أنا للبديهة، ومعاوية للأناة، والمغيرة للمعضلات، وزياد لصغار الأمور وكبارها[64]. وقد ساهم هؤلاء في إدارة الدولة وفتوحها والتصدي لأعدائها، فكان لهم دور كبير ومتميز في ترسيخ وتوطين وتثبيت الأمن ودعائم الخلافة الأموية[65] .
5 ـ استخدام المال في تأكيد ولاء الأعوان وتأليف القلوب: فقد اعتبر معاوية من أجواد العرب لأنه استمال القلوب بالبذل والعطاء وجاد بالمال مع المداراة وكان إذا بلغه عن رجل ما يكره أسكته بالمال[66].
6 ـ إتباع سياسة الشدة واللين: في الوقت نفسه حسب الظروف والأحوال: وظهرت هذه السياسة بشكل واضح بعد توطيد دعائم الخلافة الأموية، وكتب معاوية إلى زياد بن أبيه في ذلك وقال: إنه لا يصلح أن أسوس وتسوس الناس بسياسة واحدة إنا إن نشتد جميعاً نهلك الناس ونحرجهم، وإن نلن جميعاً نبطرهم، ولكن تلين وأشتد وتشتد وألين[67]، ويمثل هذه السياسة وما نسب إلى معاوية رضي الله عنه من أقوال مثل: لا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، فإذا لم أجد من السيف بداً ركبته، إي استعملته[68]، وقوله المشهور: لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إن جبذوها أرسلتها، وإن خلوها جبذتها[69].
7 ـ إتباع سياسة المنفعة المتبادلة بين بني أمية ورعيتهم:
لم يستطع معاوية رضي الله عنه إتباع سياسة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم الراشدة، ولا شك في أن كثرة الأموال بعد اتساع الدولة الإسلامية جعلت كثيراً من المسلمين يتطلعون إلى التمتع بالخيرات التي أخذت تتدفق عليهم وقد أعرب معاوية عن ذلك بشكل واضح وقال للمسلمين:.. غير أني سلكت طريقاً لي فيه منفعة، ولكم فيه مثل ذلك، ولكل فيه مؤاكلة حسنة ومشاربة جميلة ما استقامت السيرة، وحسنت الطاعة، فإن لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم[70].
8 ـ اتخاذ سياسة إعلامية للإشادة به وبخلافته وجعل الناس يميلون إليهم: وكان معاوية بن أبي سفيان يقول: أحب الناس إلي أشدهم تحبيباً لي إلى الناس[71]، وأتبعه بعد ذلك الخلفاء الأمويون باستمالة عشرات الشعراء وأغدقوا عليهم الأموال، فأشادوا بهم وبحقهم في الخلافة وصلاحهم لها ووجوب طاعتهم ونصرتهم نظراً لأن الشعر كان أهم وسيلة إعلامية في ذلك العصر[72]، ومن الأشعار التي قيلت في هذا الاتجاه ما قاله الأخطل:
                             تَمَّت جدودهم والله فضلهم
                                                          وجدُّ قوم سواهم خامل نكد
                             وأنتم أهل بيت لا يُوازنُهم
                                                          بيت إذا عُدّتِ الأحساب والعدد[73]

وقد إهتمّ معاوية بفن الدعاية والإعلام، وأوكله إلى عدد من الرجال يهمهم أمره ويؤيدونه، فكان يكثر أعطيات الشعراء وكذلك شيوخ القبائل، لكسبهم في صفه، ويعطي مجالاً واسعاً لولاته لكي يحققوا بعض المكاسب السياسية والإعلامية والأمنية، فقد كتب زياد والي البصرة في عهد معاوية خمسمائة من مشايخها، وأعيانها في صحابته، ورزقهم ما بين الثلاثمائة إلى الخمسمائة[74]، فقال فيه حارثة بن بدر الغُدانيّ:
                             ألا مـن مبلغ عني زياداً
                                                          فنعم أخو الخليفة والأمير
                             فأنت إمام معدلةٍ وقصد
                                                          وحزم حين تحضرك الأمور
                             أخوك خليفة الله بن حرب
                                                          وأنت وزيرة نعم الوزير[75]

وكان معاوية رضي الله عنه يحرص على امتصاص غضب الشعراء بحلمه وعفوه، فعندها هجا يزيد بن مفرِّغ الحميري بني زياد، عندما كان مع عباد بن زياد بسجستان، فاشتغل عنه بحرب الترك، فاستبطأه، فأصاب الجند مع عباد ضيق في أعلاف دوابهم فقال ابن مفرغ:
                             ألا ليت اللحى عادت حشيشاً
                                                          فنعلفها خيول المسلمين

وكان عبّاد بن زياد عظيم اللحية، فأنهِيَ شعره إلى عبّاد وقيل: ما أراد غيرك، فطلبه عباد، فهرب منه، وهجاه بقصائد كثيرة، فكان مما هجاه به قوله:
                             إذا أودى معاوية بن حرب
                                                          فسبِّر شعْبَ قعبك بانصداع
                             فأشهد أن أمك لم تباشر
                                                          أبا سفيان واضـعه القنـاع
                             ولكن أمراً فيـه لبـس
                                                          على وجـل شديد وارتياعٍ
                             وقوله:
                             ألا أبلغ معاوية بـن حرب
                                                          مغلغلة مـن الرجل اليماني
                             أتغضب أن يقال أبوك عَفُّ
                                                          وترضى أن يقال أبوك زان
                             فأشهد أن رحمك من زياد
                                                          كرحم الفيل من ولد الأتان[76]

ولما هجا ابن المفرِّغ عبَّاداً فارقه مقبلاً إلى البصرة، وعبيد الله يومئذ وافد على معاوية، فكتب عباد إلى عبيد الله ببعض ما هجاه به، فلما قرأ عبيد الله الشعر دخل على معاوية، فأنشده إياه، واستأذنه في قتل ابن مفرغ، فأبى عليه أن يقتله، وقال: أدِّبه ولا تبلغ به القتل[77]... ووقع ابن مفرِّغ بين يدي عبيد الله.. فأمر به فسقي دواء، ثم حمل على حمار عليه إكاف فجعل يطاف به وهو يسلح في ثيابه[78].
وقال ابن مفرِّغ لعبيد الله:
                             يُغسِل الماء ما صنعت وقولي
                                                          راسخ منك في العظام البوالي
ثم حمله عبيد الله إلى عباد بسجستان، فكلمت اليمانية فيه بالشام معاوية، فأرسل رسولاً إلى عباد، فحمل، ابن مفرغ من عنده حتى قدم على معاوية فقال في طريقه:
                             عَدَس مالعبّـاد عليك إمــارة
                                                          نجوتِ وهـذا تحملين طليق
                             لعمري لقد نجاك من هوّة الرّدى
                                                          إمـام وحبل للأنام وَثِيـق
                             سأشكر ما أوتيت من حسن نعمة
                                                          ومثلي بشكر المنعمين حقيق

فلما دخل على معاوية بكى، وقال: ركب مني ما لم يركب من مسلم على غير حدث ولا جريرة... وبعد حوار مع معاوية قال له معاوية اذهب فقد عفونا لك عن جرمك، أما لو إيانا تعامل لم يكن مما كان شيء، فانطلق وفي أي أرض شئت فانزل. فانزل الموصل، ثم إنه ارتاح إلى البصرة، فقدمها، ودخل على عبيد الله فآمنه[79]. فقد كان معاوية رضي الله عنه يحرص على كسب الشعراء لصفه، والتحبب إليهم وإكرامهم وعدم محاولة الإساءة إليهم، فقد كانوا أقرب الشبه بالفضائيات في الوقت الحاضر.
9 ـ جهاز المخابرات: كانت الأجهزة الأمنية الداخلية والخارجية في عهد معاوية قوية جداً، وكانت قدرتها على جمع المعلومات فائقة، وكان معاوية رضي الله عنه يشرف على جهاز المخابرات بنفسه وكان له جهاز سري مربوط به لمراقبة الولاة والرعية، فلم يكن في قطر من الأقطار ولا ناحية من النواحي عامل أو أمير جيش إلا وعليه عين لا يفارقه، بل وصلت عيونه حتى في البلاط البيزنطي وإليك ما يدل على ذلك:
أ ـ إطلاعه على المراسلات التي بين الحسين وأهل العراق:
لما توفي الحسن بن علي اجتمعت الشيعة في دار سليمان بن صرد وكتبوا إلى الحسين كتاباً بالتعزية في وفاة الحسن: وقالوا في كتابهم: إن الله قد جعل فيك أعظم الخلق ممن مضى ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك، المحزونة بحزنك، والمسرورة بسرورك، المنتظرة لأمرك، فرد الحسين على كتابهم: إني لأرجو أن يكون رأي أخي في الموادعة، ورأي في جهاد الظلمة رشداً أو سداداً، فالصقوا بالأرض وأخفوا الشخص، اكتموا الهوى، واحترسوا في الاضناء ما دام ابن هند حياً، فإن يحدث به حدث وأنا حي يأتكم رأيي إن شاء الله[80]، ولقد أشارت تلك الرسائل المتبادلة بين الحسين وأهل الكوفة مخاوف بني أمية في المدينة، فكتبوا إلى معاوية يستشيرونه بشأن الحسين: فكتب إليهم بأن لا يتعرضوا له مطلقاً[81]، وكان معاوية على معرفة بتلك الرسائل والعلاقات الوثيقة التي تربط بين الحسين وبين الكوفيين، ولهذا فقد طلب معاوية من الحسين: أن يتق الله عز وجل وأن لا يشق عصا المسلمين ويذكره  بالله في أمر المسلمين[82]، ولقد كان موقف الحسين واضحاً وإعلانه صراحة بقوله: إنا قد بايعنا وعاهدنا، ولا سبيل إلى نقض بيعتنا[83]، وظل الحسين رضي الله عنه ملتزماً ببيعته وطاعته طوال عهد معاوية[84]، رضي الله عنه.
ب ـ قصة معاوية مع المسور بن مخرّمة فقد صارح معاوية المسور وقال له: يا مسور ما فعل طعنك على الأئمة[85]، ففيه، معرفة معاوية لما يقول كبار الشخصيات في المجتمع الإسلامي فيه.
جـ ـ قصة الأسير المسلم عند البيزنطيين، الذي لطم وجه بين يدي ملك الروم وقوله الأسير: وا إسلاماه أين أنت يا معاوية، فوصل ذلك الخبر إلى معاوية[86]، هذه بعض الشواهد التي تدل على قوة جهاز المخابرات التابع للدولة الأموية.
س ـ وضع بعض أتباع علي رضي الله عنه بالكوفة تحت المراقبة:
لم يدخل زياد في طاعة معاوية بسهولة وامتنع في بداية أمره على طاعته وتحصن ببلاد فارس واستطاع معاوية بعد أخذ ورد إقناع زياد في دخوله طاعته وسيأتي تفصيل ذلك بإذن الله وسأل زياد معاوية أن يسمح له في نزول الكوفة، فأذن له، فشخص إلى الكوفة، فكان المغيرة يكرمه ويعظمه، فكتب معاوية إلى المغيرة: خذ زياداً وسليمان بن صرد، وحجر بن عدي، وشَبَت بن ربعي، وابن الكواء، وعمر بن الحمق بالصلاة في الجماعة، فكانوا يحضرون معه في الصلاة[87]، فقد كان هذا إجراء احتياطياً من معاوية حتى يكون هؤلاء القوم تحت ناظري والي الكوفة باستمرار، وذلك أن صلح الحسن ومعاوية يوجد له معارضون،ولا يستبعد التفافهم حول بعض رجالات علي ـ رضي الله عنه ـ حسماً منه لمادة الفتنة[88].
10 ـ الاهتمام ببناء الجيش الإسلامي :
كان لمعاوية بعد نظر سياسي تمثل في بناء جيش قوي منذ أن كان والياً على الشام وتمحور دور هذا الجيش في استتباب الأمن داخل الولاية ومن ثم القيام بعمليات توسع خارجية قبل وبعد نيله الخلافة[89] تمثلت في حركة الفتوحات في عصره وهذا سيأتي تفصيلها في محله بإذن الله تعالى.
11 ـ سياسة الموازنات : على الرغم من نفوذ الكلبيين في الدولة الأموية، فإن المعادلة لم تكن قائمة على التحالف الأموي ـ الكلبي، ولكنها اتخذت في عهد معاوية رضي الله عنه منحىً توازنياً ما بين كلب وفهر بصورة خاصة، وقحطان وقيس بصورة عامة، فإذا كان الكلبيون قد حملوا عبء الدفاع المسلح عن الدولة، مؤثرين الإقامة في جنوب الشام (جند الأردن)، فإن الفهريين كان لهم الدور السياسي والإداري البارز فضلاً عن الدور العسكري، حيث شارك زعيمهم الضحاك بن قيس في صفين، وكان بالإضافة إلى ذلك في طليعة الذين اعتمد عليهم معاوية في حضِّ الناس على البيعة ليزيد[90]، وقد ارتفع الضحاك في السياسة الأموية، وفي أعقاب الدور الأمني الذي شغله في عهد معاوية كقائد على شرطته[91]، والدور السياسي في عهد يزيد، كعامل له على دمشق، مما هيأه من خلال هذا الموقع الهام، لدور أكثر خطورة بعد وفاة معاوية الثاني الذي أوصى بأن: يصلي الضحاك بالناس بدمشق[92]، وهكذا نجح مؤسس الدولة الأموية في الإمساك بزمام الأمور من خلال الموازنة بين القبائل الشامية الكبرى، كون أن يدع لأي منها مجالاً بأن تتجاوز حدودها المرسومة لها في الدولة، بما في ذلك القبيلة الكلبية الأثيرة. وقد اتسعت دائرة هذه السياسة، لتصبح ظاهرة من ظواهر عهد معاوية رضي الله عنه، حيث نجح معاوية في تحقيق التوازن المنشود داخل قريش (المهاجرة، وغير المهاجرة، فضلاً عن التوازن داخل الأسرة الأموية (بنو حرب ، وبنو العاص) واحتواء الثقفيين بعد منحهم إدارة العراق الذي ارتبط تاريخه أو كاد بهذه الأسرة، إلى آخر هذه التوازنات المتقنة التي ضبطها معاوية رضي الله عنه[93].
12 ـ سياسته مع الأسرة الأموية:
لم يأت معاوية رضي الله عنه للخلافة بدعم مادي أو معنوي من الأسرة الأموية، وإنما أتاه من جبهة شامية قبلية متماسكة وقفت وراءه لذلك لم يكن لهذه الأسرة دور بارز في إدارة الدولة في عهده من الناحية الإدارية أو من الناحية العسكرية، نلاحظ ذلك من خلال استعراض أسماء ولاة وقادة معاوية الذين استعان بهم[94]، إلا أن معاوية لم يجاف أسرته جفاءً تاماً، بل استعان بأفراد منها واضعاً نصب عينيه هدفين:
أ ـ الاستعانة بالأكفاء منهم.
ب ـ الحيلولة دون ازدياد سلطانهم ونفوذهم بشكل يهدد مخططاته السياسية[95]، وقد استطاع معاوية تحقيق وحدة الصف الأموي بما كان يملك من صفات ومؤهلات قيادية فذة[96].
هذه هي أهم الوسائل التي اتخذها معاوية لتوطيد الأمن في دولته رضي الله عنه.

·        ـ هل أراد معاوية أن ينقل منبر رسول الله من المدينة إلى الشام؟
ذكر الطبري في تاريخه في أحاديث عام 50هـ بأن معاوية أمر بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يحمل إلى الشام فحُرِّك فكسفت الشمس حتى رُئيت النجوم بادية يومئذ فأعظم الناس ذلك، فقال: لم أرد حمله، إنما خفت أن يكون قد أرِضْ[97]، فنظرت إليه، ثم كساه يومئذٍ[98]، وجاء في رواية أخرى: قال معاوية: أني رأيت أن منبر رسول الله وعصاه[99]، لا يتركان بالمدينة، وهم قتلة أمير المؤمنين عثمان وأعداؤه، فلما قدم طلب العصاه وهي عند سعد القرظ، فجاء أبو هريرة وجابر بن عبد الله، فقالا: يا أمير المؤمنين، نذكرك الله عز وجل أن تفعل هذا، فإن هذا لا يصح، تُخرج منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من موضع وضعه، وتخرج عصاه من المدينة. فترك، ذلك معاوية، ولكن زاد في المنبر ستَّ درجات، واعتذر إلى الناس[100]

       الشريف وقد استمر ازدهار النثر في العصر الأموى، وتعددت فنونه نظرًا لتعدد الأحزاب السياسية في هذا العصر وشدة الصراع بينها،


الجذور التاريخية للأسرة الأموية :
          ينتسب الأمويون إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وفي عبد مناف يلتقي بنو أمية مع بني هاشم، وكان بنو عبد مناف يتمتعون بمركز الزعامة في مكة، لا يناهضهم فيه أحد من بطون قريش.. وجميع قريش تعرف ذلك وتسلم لهم الرياسة عليها.
* اسمه ونسبه وكنيته ومولده :
هو معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب أمير المؤمنين ملك الإسلام، أبو عبد الرحمن، القرشي الأمويُ المكي، ولد قبل البعثة بخمس سنين، وقيل بسبع، وقيل : بثلاث عشرة، والأول أشهر، وكان رجلاً طويلاً، أبيض، جميلاً، مهيباً، وقد تفرس فيه والده ووالدته منذ الطفولة بمستقبل كبير، فهذا أبو سفيان ينظر إليه وهو يحبو فيقول لوالدته : إن إبني هذا لعظيم الرأس، وإنه لخليق أن يسود قومه، فقالت هند : قومه فقط، ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة، وعن أبان بن عثمان قال : كان معاوية يمشي مع أمه هند، فعثر، فقالت: قم لا رفعك الله، وأعرابي ينظر، فقال: لما تقولين له؟ فوالله إني لأظنه سيسود قومه: قالت: لا رفعه الله إن لم يسد إلا قومه


ـ بدا نجم معاوية في الظهور :
          بدا نجم معاوية رضي الله عنه في الظهور في ميدان العمل السياسي والإداري في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه فقد ولاه فتح قيسارية[101]سنة خمس عشرة للهجرة[102]، وجاء في كتاب توليته له: أما بعد فقد وليتك قيسارية فسر إليها واستنصر الله عليهم، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، الله ربنا وثقتنا ومولانا فنعم المولى ونعم النصير[103]، كانت هذه المهمة الجسيمة اختبار كبير من عمر لمعاوية في ميدان الواقع، فقد استطاع تجاوز هذا الاختبار بكل نجاح، فقد سار إلى قيسارية بجنوده الذين أعدهم له أخوه يزيد بن أبي سفيان ـ أحد ولاة الشام لعمر رضي الله عنه وكانت تلك المدينة محصنة وبأس أهلها شديد، فحاصرها معاوية طويلاً وزاحف أهلها مرات عديدة، فلم ييأس معاوية، فصمم على فتحها، واجتهد في القتال حتى فتح الله على يديه، وكان فتحه كبيراً فقد قتل من أهلها ما يقرب من مائة ألف[104] وبعث بالفتح والأخماس على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه[105]، وقد أثبت معاوية بعد توفيق الله ـ بهذا الفتح جدارته وحسن قيادته، فأكسبه ذلك ثقة الجميع، فأسند له أخوه يزيد ـ أمير دمشق ـ مهمة فتح سواحل الشام، وقد أبلى في ذلك بلاءً حسناً[106]، فكان يقيم على الحصن اليومين والأيام اليسيرة فربما قوتل قتالاً شديد، وربما رمى ففتحها، وكان المسلمون كلما فتحوا مدينة ظاهرة أو عند ساحل رتبوا فيها قدر ما يحتاج لها إليه من المسلمين فإن حدث في شيء منها حدث من قبل العدو سربوا إليها الإمداد[107]، ويرى الدكتور عبد الرحمن الشجاع أن مدن الشام تساقطت تحت ضربات المجاهدين الواحدة تلو الأخرى، لأن الروم كانوا من الهزيمة بمكان لا تجعلهم يفكرون في المقاومة فتساقطت مدن بيروت، وصيدا، ونابلس، واللد، وحلب، وأنطاكية، وكانت قيسارية آخر مدن الشام فتحاً على يد معاوية بن أبي سفيان، وكان ذلك بعد القدس.

لما كان مبدأ كل اتقلاب عظيم في أي أمة :إما دعوة  دينية وإمادعوة سياسية . وكانت تلك الدعوة تستدعى ألسنة قوالة من أهلها لتأييدها و نشرها .و السنة من أعدائها و جخصومها لإدحاضهم والصد عنها . وذلكلا يكون إلا بخاطبة الجماعات وأصحاب النجدات في الحفل المنتديات والحج والمواسم و الاسواق ,والمواظن الزحف ومقدم الوفود ونحو ذلك.كان ظهور الإسلام باامر الجلل والشأنالحطيروالدعوة الغظمى التى لم يعهد لها من قبل في العالم مثيل من أهم الحوادث التي أنشطت  الألسن من عقلها , واثارت الحطابة من نكمنها.
       الشعر في العصر الأموى
 (أ) ظهور الأحزاب السياسية.
(ب) عودة العصبية القبلية.
(ج) التنافس بين الشعراء
(د) حياة الترف وكثرة مجالس اللهو والغناء ظهرت أغراض شعرية جديدة وتطورت أغراض أخرى قديمة. وضح ذلك من الأغراض الشعرية الجديدة التي ظهرت في العصر الأموي (الشعر السياسي) بسبب كثرة الأحزاب السياسية، والصراع من أجل الحكم. ومن نماذج هذا الشعر قصائد الفرز دق وجرير والكميت وغيرهم.
        ومن الأغراض الشعرية القديمة التي تطورت في العصر الأموي (الغزل الحضري أو الصريح- الغزل البدوي أو العفيف- شعر النقائض)
      الغزل الحضرى أو الصريح، كما في شعر عمر بن أبى ربيعة، ومن عوامل ازدهاره :
 1- حياة الترف التي عاشها الشعراء.
 2- انتشار الغناء في عواصم البلاد العربية.
3- انصراف كثير من شعراء الحجاز عن السياسة واهتمامهم بالغزل
التطور والتجديد في الشعر الاموي.
الافكار: تميزت الافكار عموما بوضوحها وعدم المغالاة في اخفائها وراء الكلمات. اهم المواضيع كانت الغزل العذري والاباحي والمديح والذم مثل المناظرات الكلامية الشهيرة بين جرير والفرزدق. كما كان هناك عدد من القصائد التي تناولت المواضيع الدينية ، خاصة وان عددا من الشعراء الذين عاصروا بداية الدعوة الاسلامية  كانوا لا يزالوا بين الاحياء.
العاطفة: حتى اللحظة لم يختلف الشعراء في رهافة عاطفيتهم وحساسيتها ولا في صورهم عن شعراء العصرين الجاهلي والراشدي فكانت الدافع المباشر الى القول وحددت موقف الشاعر ففتحت الباب الى نفس المتلقي وبعثت القصيدة فيها.
تشكل العاطفة الدعامة الاساسية للقصيدة وتكون أهم من الحقائق والافكار والهدف الرئسي منها اثارة الانفعال في نفوس القراء والسامعين بعرض الحقائق رائعة و تمتاز العبارة بالانتقاء والتفخيم والوقوف على مواطن الجمال كما تكون الصور الخيالية والصنعة البديعية والكلمات الموسيقية مظهر الانفعال العميق فاتت العبارة في القصيدة الاموية جزلة قوية ،اذا عبرت عن عاطفة قوية حية والعمل الأدبي هو صياغة هذه العناصر في وحدة متكاملة ،للتعبير عما يريد الاديب أن يقوله.

و تمتاز الخطابة في صدر الإسلام منها في الجاهلية بأشياء:
الأول: سلوكها طريقا دينيا في مثل خطب الجمع والعيدين والحج والإرشاد ونحو ذلك مما يستدعيه نشر الدعوة الدينية .
والثانى :اتباعها خطة سياسية في مثل تأليف الجما عات والأحزاب و تأثيل الملك والسلطان , وما وقع للعرب في الجاهلية من هذا القبيل في بعض منازعاتهم فليس بذى شأن كثير , إذا قيس بنظيرة في الإسلام.
الثالث :قوة تأثيرها ووصولها إلى قرارة النفوس وامتلاكها للواجدان والشعور بوعظها الزاجر , و نصحها البالغ , مما رقق القلوب القاسية . وأسال الأعين الجامدة.
الرابع:صفاء الفاظها ,وسهولة عبارتها , و متانة أساليبها , وتجتنبها سجع الكهان وقلة القصد فيها إلى سرد الحكم القصيرة الدقيقة بمناسبة و غير مناسبة كما كانت تفعل خطباء الجا هلية.
الخامس : بداءتها بحمد الله والثناء عليه.
 السادس :محاكاتها أسلوب القرآن في الإقناع ,واستمدادها من آياته ,حتي اشترط بعض أئمة المسلمين وجوب اشتمال خطبة الجمعة على شئ منه.
السابعة : تنوعها بين الإيجاز والإسهاب حتي حكى أن منها ما استغرق نصف نهار , ومنها مالم يزد على فقرات معدودات . وقصارى الكلام أن الحطابة وصلت في هذا العصر إلى أرقي ما وصلت إليه في اللسان العربى حتي ممن يعد عليهم اللحن .ولم تسعد العربية بكثرة خطباء ووفرة خطب مثل ما سعدت به في هذا الصدر الأول . إذا كان القوم ورؤساؤهم عربا خلصا .يسمعون القول فيتبعون أحسن.
الخطباء  
ليس في عصور اهل اللغة عصر أخفل بالحطباء المعرفين نسبا وقولا وعملا من هذا العصر , إذا كانت الحطابة فيه سلسة القياد على خلفائة وزعمائه لفطرتهم العربية ومحلهم من الفصاحة والبيان ,وانطباعهم على أسالب القرآن ,واتساع مداركهم .و لهذا نكتفي بذكر الحطباء من الحلفاء الرشدين , وبعض ولاة المسلمين وفصحاء الناس ,الأن الحطابة إذا ذاك كانت من أغظمأعمال الإمامة والولاية .

(1 ) أبوبكر الصديق رضيالله عنه
هو أبو بكر عبد الله عتيق بن أبى قحافة عثمان صاحب رسول الله وأول صديق له في الإسلام ,والخطيب يوم السقيفة.وكان أعلمهم با الأنساب وأيام العرب ومفاخرها ,صحب الرصول الله قبل النبوة.
(2)عمربن الخطاب –رضى الله عنه
هو أمير المؤمنين أبو حفص عمربن الحطاب القرشى ثانى خليفة لرسول الله ة وأول من تسمى من الحلفاء بأمير المؤمنين , وأول من أرخ با لتاريخ الهجرى.
و مصر الأمصار,ودون الدواوين .ولد رضى الله عنه بعد مولد النبي صل الله عليه وسلم بثلاث عشرة سنة . ومان في الجاهلية من كبار قريس .
(3)عسمان بن عفان –رضي الله عنه
هو أمر المؤمنين عثمان بن عفان القرشي الأموى .ثالث الحلفاء الرشدين ,وموحد نسخ القرآن المبين.ولد في سنة السادسة من مولد النبي صلى الله عليه وسلم,وآمن في السابقين الأولين.
(4)على بن أبى طالب – كرم الله وجرهه
هو أمر المؤمنين أبو الحسن على بن أبى طالب,وابن عم رسول الله وزوج ابنته ورابع الحلفاء الرشدين,و إمام الحطباء من المسلمين.  
طوائف فى عصر الأموى         
أولاً : الخوارج:
برزت هذه الفرقة أثناء خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبالتحديد عام 37هـ بعد معركة صفين وقبول علي رضي الله عنه تحكيم الحكمين وقد تحدثت عن هذه الفرقة بشيء من التفصيل في كتابي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن أهم آرائهم الاعتقادية:
1 ـ تكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعثمان بن عفان رضي الله عنه والحكمين رضي الله عنهما أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص.
2 ـ القول بالخروج على الإمام الجائر.
3 ـ قولهم بتكفير مرتكب الكبيرة وتخليده في النار[108].
   هذه المباديء الثلاثة هي جوهر اعتقاد الخوارج، وليس بينهم في ذلك خلاف إلا خلافاً لبعضهم في تطبيق هذه المباديء[109]. يقول أبو الحسن الأشعري في حكاية ما أجمع عليه الخوارج من الآراء: أجمعت الخوارج على إكفار علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن حكم وهم مختلفون
  وأجمعوا على: أن كل كبيرة كفر إلا النجدات[110]، فإنها لا تقول ذلك. وأجمعوا على أن الله سبحانه وتعالى يعذب أصحاب الكبائر عذاباً دائماً إلا النجدات أصحاب نجدة، وقال المقدسي في ذلك: وأصل مذهبهم: إكفار علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والتبرؤ من عثمان بن عفان، والتكفير بالذنب، والخروج على الإمام الجائر.
ثانياً : الشيعة:
   تذكر في الإصلاح كإسم لكل من فضل علياً رضي الله عنه على الخلفاء الراشدين قبله رضي الله عنهم جميعاً ورأى أهل بيته أحق بالخلافة[111]، وقد تحدثت عن الشيعة بالتفصيل في كتابي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه. والشيعة فرق عديدة منهم الغلاة الذين خرجوا عن الإسلام وهم يدعونه ويدعون التشيع، ومنهم دون ذلك ومن أهم فرقهم: الكسيانية، والسبئية والإمامية وغيرها.
ثالثاً : القدرية :
1 ـ تعريف القدرية في الاصطلاح: للقدرية إطلاقات، خاص وعام
أ ـ فالقدرية بالمعنى الخاص: هم المنكرون للقدر: أي المكذبون بتقدير الله تعالى لأفعال العباد أو بعضها أي: الذين قالوا: لا قدر (من الله) والأمر أنف أي مستأنف ليس لله فيه تقدير سابق كما سيأتي بيانه بإذن الله.
ب ـ القدرية بالمعنى العام: هم الخائضون في علم الله تعالى وكتابته ومشيئته وتقديره وخلقه بغير علم، وبخلاف مقتضى النصوص وفهم السلف[112]
2 ـ نشأة القول بالقدر في الإسلام:
      عن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث أخاف على أمتي الاستسقاء بالأنوار، وحيف السلطان، وتكذيب بالقدر، كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من المراء والجدل في الدين عموماً وفي القدر على جهة الخصوص، وعن ضرب آيات الله والأحاديث الصحيحة بعضها ببعض، وعن إثارة الشبهات والمعارضات في نصوص القدر من ذلك ما رواه أحمد في المسند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله ذات يوم والناس يتكلمون في القدر قال: فكأنما تفقأ في وجهه حبّ الرمان من الغضب قال: فقال لهم: مالكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ بهذا هلك من كان قبلكم.
رابعاً : المرجئة:
نسبة إلى الإرجاء، وهو تأخير العمل عن الإيمان[113].
والإرجاء على معنيين:
أحدهما: بمعنى التأخير في قوله تعالى: ((قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ)) أي: أمهله وأخره. والثاني: إعطاء الرجاء[114]
والمرجئة في الاصطلاح فقد عرفهم الإمام أحمد بقوله: هم الذين يزعمون أن الإيمان مجرد النطق باللسان وأن الناس لا يتفاضلون في الإيمان وأن إيمانهم وإيمان الملائكة والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم واحد، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وأن الإيمان ليس فيه استثناء وأن من آمن بلسانه ولم يعمل فهو مؤمن حقاً[115]. والمرجئة الخالصة: وهم الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، ومن هؤلاء جهم وأصحابه[116]، وأول من تكلم في الإرجاء الذي هو تأخير الأعمال عن الإيمان غيلان الدمشقي، كما يقول الشهرستاني[117]، وأما الإرجاء المنسوب إلى أبي محمد الحسن بن محمد المعروف بابن الحنفية فليس هو الإرجاء في الإيمان، وإنما هو إرجاء أمر المقاتلين من الصحابة إلى الله عز وجل[118]، وقال ابن سعد في ترجمته وهو أول من تكلم في الإرجاء ـ ويذكر كذلك ـ أن زاذان وميسرة دخلا عليه فلاماه على الكتاب الذي وضع في الإرجاء فقال لزاذان: يا أبا عمر لوددت أني كنت مت ولم أكتبه[119]، فهذا الكتاب إنما فيهإرجاء أمر المشتركين في الفتنة التي حدثت بعد خلافة أبي بكر وعمر إلى الله عز وجل[120]، وقد ذكر ابن حجر: أنه أطلع على هذا الكتاب الذي ألفه الحسن بن محمد وقال: المراد بالإرجاء الذي تكلم الحسن بن محمد في غير الإرجاء الذي عيبه أهل السنة: المتعلق بالإيمان[121]، وأهم أقوالهم التي فاقوا فيها أهل السنة:
ـ قولهم بتأخير الأعمال عن مسمى الإيمان .
ـ وقول الخالصة منهم: أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع اخامساً: الجهمية: تنتسب الجهمية إلى الجهم بن صفوان من أهل خراسان ومولى لبني راسب، تتلمذ على الجعد بن درهم وكان كاتباً للحارث بن سريح[122]، الذي أثار الفتن ضد الدولة الأموية في خراسان، وكان جهم يقرأ سيرته ويدعو إلى توليته[123]، ويحرص الناس على الخروج معه وفي سنة 128هـ وقعت معركة بين جيش أمير خراسان ـ نصر بن سيار ـ وجيش الحارث بن سريح، وكان جهم بن صفوان في جيش الحارث، فطعنه رجل في فمه فقتله، وقيل بل اسر وأوقف بيت يدي سلم بن أحوز[124]فأمر بقتله[125]، وأهم أصول الجهمية:
1 ـ تبنى الجهم آراء الجعد بن درهم والتي هي نفي صفات الله عز وجل، والقول بخلق القرآن ثم زاد عليها بدعاً أخرى.
2 ـ القول بالجبر، حيث زعم أن الإنسان لا يقدر على شيء ولا يوصف بالاستطاعة وإنما هو مجبور على أفعاله.
3 ـ القول بأن الإيمان هو المعرفة حيث زعم أن الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط وأن الكفر هو الجهل به فقط.
4 ـ القول بفناء الجنة والنار حيث زعم أنهما تفنيان بعد دخول أهلها فيهما، إذا لا يتصور على حسب زعمه حركات لا تتناهى.
5 ـ القول بأن علم الله حادث، حيث زعم أنه لا يجوز أن يعلم الشيء قبل خلقهلكفر طاعة.
                     

المراجع
- الشيخ أحمد الإسكندر و الشيخ مصطفى عنانى، الوسيط فى الأدب العربى وتاريخه، ، دار المعارف.
-ا الدكتور شوقى ضيفي لتطور والتجديد فى الشعر الأموى, ، مكفب الدراسة الأدبية، دار المعارف.
-الشيخ الفاضل الدكتور : علي محمد محمد الصًّلاَّبيَّ حفظه الله، عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار


























[24] المصدر نفسه ( 4/275) .
[25] المصدر نفسه ( 4/275) .
[26] العالم الإسلامي في العصر الأموي صـ117 .
[27] الشهب اللمعة في السياسة النافعة صـ309 .
[28] الخشكبالج: نوع من الحلوى .
[29] الشهب اللامعة صـ310، 311 ، مروج الذهب (3/220، 222) .
[30] إدارة بلاد الشام في العهدين الراشدي والأموي صـ124 .
[31] المصدر نفسه صـ156 .
[32] الدولة الأموية المفترى عليها صـ433 .
[33] إدارة بلاد الشام في العهدين الراشدي والأموي صـ170 .
[34] تطوى ويلصق طرفها بالشمع والطين الأحمر ثم يوضع خاتم الخلافة.
[35] الإدارة في العصر الأموي صـ287، مرويات خلافة معاوية صـ75.
[36] مرويات خلافة معاوية صـ76.
[37] إدارة بلاد الشام في العهدين الراشدي والأموي صـ174.
[38] المصدر نفسه صـ174.
[39] المصدر نفسه صـ175.
[40] المصدر نفسه صـ175.
[41] المصدر نفسه صـ176 .
[42] المصدر نفسه صـ176 .
[43] العيون والحدائق (3/82) ، إدارة بلاد الشام في العهدين صـ176 .
[44] الأمويون بين الشرق والغرب (1/100) .
[45] الأوائل صـ237 .
[46] تاريخ الإسلام (1/458) .
[47] المصدر نفسه (1/459) .
[48] الأمويون بين الشرق والغرب (1/102) .
[49] إدارة بلاد الشام في العهدين الراشدي والأموي صـ102 .
[50] تاريخ ابن خلدون (2/49 ـ 150) .
[51] تاريخ الطبري (6/65) .
[52] الدولة الأموية المفترى عليها صـ271 .
[53] إدارة بلاد الشام في العهدين صـ103 ، البداية والنهاية (11/465) .
[54] البيان والتبيين (2/90) إدارة بلادة الشام صـ107 .
[55] عيون الأخبار (1/90) .
[56] العقد الفريد (1/68) إدارة بلاد الشام صـ108 .
[57] إدارة بلاد الشام في العهدين صـ111 .
[58] المصدر نفسه صـ111 .
[59] البداية والنهاية (11/465) .
[60] إدارة بلاد الشام في العهدين صـ117، العقد الفريد (4/362) .
[61] المصدر نفسه صـ115 .
[62] المصدر نفسه صـ117 .
[63] المصدر نفسه صـ123 ، الأخبار الطوال صـ205 ، 206 .
[64] أنساب الأشراف (4/1/131) .
[65] الجذور التاريخية للأسرة الأموية صـ100 .
[66] المصدر نفسه صـ100 .
[67] أنساب الأشراف (4/1/84) .
[68] الجذور التاريخية للأسرة الأموية صـ101 .
[69] أنساب الأشراف (4/1/21)
[70] سير أعلام النبلاء (3/148) .
[71] الجذور التاريخية للأسرة الأموية صـ102 .
[72] المصدر نفسه صـ102 ، تاريخ الطبري (6/255) .
[73] التطور والتجديد في الشعر الأموي ، شوقي ضيف صـ134 .
[74] تاريخ الطبري (6/139) .
[75] المصدر نفسه (6/139) .
[76] تاريخ الطبري (6/236) .
[77] المصدر نفسه (6/236) .
[78] المصدر نفسه (6/236) .
[79] تاريخ الطبري (6/238) .
[80] أنساب الأشراف (3/152) مواقف المعارضة صـ179 .
[81]المصدر نفسه(3/152) المصدر نفسه صـ179.
[82] المصدر نفسه(3/152) المصدر نفسه صـ180 .
[83] الأخبار الطوال صـ220 .
[84] أثر العلماء في الحياة السياسية في الدولة الأموية صـ469 .
[85] سير أعلام النبلاء (3/151) إسنادها صحيح .
[86] الشهب اللامعة في السياسة النافعة 489 .
[87] الكامل في التاريخ (2/458) .
[88] مرويات خلافة معاوية صـ175 .
[89] الدولة الأموية ، د. فرست مرعي الدهوكي صـ64 .
[90] الطبقات (6/22) .
[91] مؤتمر الجابية ، إراهيم بيضون ، جمهرة النسب ابن الكلبي (1/471) .
[92] الطبقات (6/39) مؤتمر الجابية صـ35 .
[93] مؤتمر الجباية صـ36 .
[94] سيأتي الحديث عن اسمائهم بإذن الله عند التحدث عن الولاة .
[95] الدولة الأموية ، فرست مرعي صـ179 .
[96] المصدر نفسه صـ180 .
[97] أي : أصابته الأرضة وهي دويبة تأكل الخشب القاموس المحيط صـ820 .
[98] تاريخ الطبري (6/155) .
[99] كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخطب توكأ على عصا .
[100] البداية والنهاية (11/214) تاريخ الطبري (6/155) .
.[101]
.[102]
.[103]
.[104]
.[105]
.[106]
.[107]


















Tidak ada komentar:

Posting Komentar